مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

صفة العرش والكرسي وتفسيرهما

صفحة 263 - الجزء 1

  من نواحيه من جوانبه كلها ومن خلفه ومن بين يديه، ولا يتوهم إحاطة الله تعالى ذكره بالأشياء كذلك، والعرش والكرسي وحمله والإحفاف به فمثل ذلك، لا يتوهم كما يعاين ويرى من أمور أهل هذه الدنيا، وإنما إحاطة الله بالأشياء قدرته عليها، وسلطانه جل ثناؤه فيها، لا يتوهم ذلك من الله العزيز الخلاق كما تعرف به الأشياء من الإحفاف والإحداق الذي يكون من الأشياء ويرى من أهل هذه الدنيا، تقدس الله وتعالى عن أن يكون شيء له مثالاً.

  وكذلك قوله سبحانه: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا ١٦٤}⁣[النساء]، {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا}⁣[الأعراف: ١٤٣]، {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا ٢٢}⁣[الفجر]، فلا يتوهم في ذلك كلامَه مَن قرَّر في قلبه توحيدَه وإعظامَه ككلام الإنسان بشفتين ولسان، ولا يتوهم تجلِّيه للجبل كتجلِّي ما نرى من تجلِّي أهل هذه الدنيا إلا من لم يكن به تباركت أسماؤه وتعالى عارفاً، ولا له بما وصف به نفسه من الوحدانية واصفاً، ولا يتوهم مجيئه مجيء غائب ولا كمجيء ماشٍ ولا راكب إلا مَن لم يكن به مؤمناً، ولا بوحدانيته ولا بربوبيته موقناً.

  وكذلك فينبغي لمن علم أو جهل أن يتوهم الكرسي والعرش والإحفاف والحمل على خلاف ما يعرف من الأشياء كلها؛ لفرق ما بين الأشياء وجاعلها في كل صفة ومعنى من معانيها، وكل ما يعرفه عارف فيها، وبذلك والله محمودٌ بَانَ توحيدُه، ووجب على العباد تمجيده، ومن التبس عليه ذلك التبس عليه التوحيد، ولم يصح منه لله تمجيد، وكان بالله سبحانه جاهلاً، وفي ادعائه لتوحيد الله مبطلاً.

  ومما ضرب الله سبحانه في كتابه من الأمثال قولُه سبحانه: {وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ}⁣[آل عمران: ١٠٣]، ولا يعرف أحد الحفرة إلا محفورة منقعرة، وقد جاز في ذلك ما نزل الله سبحانه من المثل، وقد يجوز مثل ذلك في الكرسي والعرش والإحفاف والحمل، لا يأبى ذلك - إن شاء الله - ولا يجهله مَن يعرف