مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

صفة العرش والكرسي وتفسيرهما

صفحة 264 - الجزء 1

  لسان العرب ولا من يعقله، وقد يدعى من الحفرة شفا وما كان منها ولها جرفاً، وعليها من فمها مشرفاً، فهل كان من المؤمنين الأتقياء البررة أحدٌ على فم ما ذكرنا من هذه الحفرة؟

  وكذلك قوله سبحانه: {وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا ١٤}⁣[الكهف]، فلا يتوهم - والحمد لله - شيئاً من ذلك كله عقداً ولا رُبَطاً مربوطة ولا معقودة، مقصرة ولا ممدودة، ولا يتوهم منها رباطاً واحداً - إلا مَن لم يهبه الله في ذلك هداية ولا رشداً.

  وما من هذا في القرآن وفيما للعرب من اللسان فيكثر عن أن نذكره كله، والحمد لله لا شريك له، ولولا كراهتنا للتكثير والتطويل لذكرنا بعضَ ما قالت العرب في ذلك من الأقاويل، وسنذكر إن شاء الله بعضَ ما نزل الله سبحانه في ذلك تنزيلاً، وبعض ما قالت العرب في الجاهلية والإسلام تمثيلاً.

  فمن أمثال الله سبحانه في ذلك البينة النَّيِّرةِ، وأقواله جل ثناؤه المقَوِّية فيه للعلم والبصيرة، قولُه: {لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ}⁣[الحديد: ٩]، وليس يتوهم الظلمات ليلاً أسود ولا مثله إلا من لا عقل له، ولا يتوهم ما ذكر الله من النور شمساً ولا قمراً إلا من لم يجعل الله له لُبّاً ولا فكراً.

  ومن ذلك قوله سبحانه: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا}⁣[الشورى: ٥٢]، ولا يتوهم الروح كأرواح البشر إلا من لم يعمر الله قلبه بضياء ولا بصر.

  ومما ضرب الله من الأمثال، وما يفهم بها وفيها من المقال، قولُه سبحانه: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ ٢٠}، فدعا تبارك وتعالى ذلك كله حرثاً وسمَّاه، ولم يرد بذلك سبحانه الحرث الذي نعرفه نحن ونراه من حرث الأرض