مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

[معنى: ثم استوى على العرش]

صفحة 271 - الجزء 1

  ومثل ذلك قول الحطيئة في آل لَأْيٍ مِن طيء وهو يمدحهم:

  هل لي ذنب بأن أعيت معاولكم ... من آل لأي صفاةٌ أصلها راسي

  ولا يتوهم أحد أنها صفاة من الصفيِّ⁣(⁣١) إلا كل جلف من الناس جافي، ولا يتوهم معاولهم من حديد إلا كل أحمق من الخلق بليد، وقد علم مَن نوَّر الله قلبه وعرف الله ربه أن العرش والكرسي ليسا ما ذهب إليه المشبهون لله بما صنع، وبعض ما خلق من خلقه وابتدع، سبحانه وتعالى عن ذلك، وعن أن يكون كذلك، وهل يمكن في وَهْمٍ أو حقيقة حق أن يكون الخالق أبداً كشيء من الخلق؟ أو لم يسمع من توهم ذلك أو ظنه - قاتله الله ما أضل وهمه وظنه - قولَ الله العليم الخبير: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ١١}، وقوله سبحانه: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ٤}، والكفؤ: فهو المثل والنظير، فتعالى من لا مثل له ولا نظير، ولا كفؤ له ولا عدل، الذي كل موجود سواه فخلقه وصنعه، والله فخالق ذلك كله ومبتدعه، كبيره في صنع الله له كصغيره، وأوله في أنه صنع لله كأخيره، لا ينكر ذلك ولا يجهله إلا من جهل الله .

  وقد قال العماة والجاهلون الذين لا يفهمون ولا يعقلون: إن الله خلق آدم على صورة نفسه، وإنه يضحك حتى تبدو نواجذه. ونواجذ الإنسان أنيابه التي جنب أضراسه، فشبهوه في ذلك وغيره - تعالى قُدْسُه - بالناس، وزعموا أن علمه وإدراكه لما علم وأدرك إنما هو بالحواس، فقالوا: إن علمه ودركه لما يرى ويبصر إنما هو بالبصر، وإن سمعه لما يسمع كما يُعقل من سمع البشر، ومن قال


(١) في (ب): من الصفا.