مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

[أدلة أخرى على وجوب الإمامة]

صفحة 279 - الجزء 1

  اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ ٧١ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ٧٢}⁣[القصص]. فجعل الليل والنهار رحمةً منه، ثم قسم تبارك وتعالى السَّنة فجعلها أربعةً أزماناً، وفنَّنَها للبقاء أفناناً، من شتاءٍ وصيف، وربيع وخريف، ثم قدَّر في كل فن ومع كل زمن من الأغذية ضرباً يابساً فيه ورطباً لا يصلح في غيره، ولا يتم إلا بتدبيره، وجعل هذه الأزمنة عموداً لتناسل الحيوان، وعلة لبقائهم إلى ما قدر لهم من الأزمان.

  ثم جعل الحيوان ضروباً، وجعل أغذيته شعوباً، فمنهم الناس المغتذون بطيب الأغذية، ومنهم الطير والدواب وفنون الأشياء الحية المكتفية بأثفال⁣(⁣١) الغذاء، ويسير⁣(⁣٢) مؤنة الاغتذاء، فبنى الناس على خلاف بنية المسخَّر لهم من الحيوان، وبانوا منهم بفضيلة الفكر ونطق البيان، فدبروا أغذية معائشهم بالفضيلة، واستعانوا في ذلك بتصرف الحيلة، وكُفِي ذلك غيرهم من الحيوان، ولولا ذلك لما بقوا ساعة من زمان.

  فكل مذكور من أجناس البهائم المسخرة لمنافع بني آدم فمبني على النقص مما ذكرنا من فضيلتهم، عاجز عما جعل الله لهم من متصرف حيلتهم.

  وكذلك كان بنو آدم في بَدِيِّ مولدهم في عجزهم عن نيل منافع غذائهم ورشدهم، وجهلهم بمصلحهم في الأمور من مفسدهم، فلو كان الناس إذ ابتدئوا وعندما فُطِروا وأُنشِئوا لم يجعل لهم ولا فيهم من يغذوهم ويقوم عليهم لهلكوا، ولم يبقوا وقت يوم واحد؛ لما يحتاجون إليه في النفاس وعند المولد من


(١) (الثفل) مَا يبسط تَحت الرَّحَى عِنْد الطَّحْن وَمَا اسْتَقر تَحت المَاء وَنَحْوه من كدر وَمَا يتبقى من الْمَادَّة بعد عصيرها (مج) وَعند البدو مَا يُؤْكَل غير اللَّبن من حب وخبز وتمر وَفِي الحَدِيث (من كَانَ مَعَه ثفل فليصطنع) (ج) أثفال. (لسان العرب).

(٢) في (ج): وتيسير.