مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

[أدلة أخرى على وجوب الإمامة]

صفحة 280 - الجزء 1

  تلفيف الولدان بخرقها، وتسوية أعضاء خلقها، ولكن الله تبارك وتعالى جعل لهم في الابتداء آباء قاموا بكفاية المصلحة والغذاء، حَدُّهم في العلم بمصلحتهم غير حدِّهم، فغذَّوهم برأفة الأبوة وبُصرِ التربية في مولدهم إلى بلوغ قوة الرجال، والاستغناء بنهاية الكمال.

  ولا بد لهذه الآباء التي قامت على الأبناء من أن تكون في المبتدأ وعند أول المنشأ من الجهالة في مثل حال أبنائها، محتاجة إلى تربية آبائها، ولا بد كيف ما ارتفع الكلام في هذا المعنى من أبناء يقوم عليهم آباؤها، وآباء كانوا كذلك في الأصل إذ ابتُدِئ إنشاؤها في مثل حد أبنائها من جهلها وقلة اكتفائها، حتى يعود ذلك إلى أب واحد، منه كان ابتداء النسل والتوالد، ولا بد للأب الأول من أن يكون أدبه وتعليمه على خلاف أدب من يكون بعده؛ إذ لا أب له، ولا يكون أدبه وتعليمه إلا من الله، أو من بعض من يؤدبه ويعلمه من خلق الله.

  فإن كان من مخلوق أخذ أدبه فلا يخلو ذلك من أن يكون الله أو غيره أدَّبَه، وكيف ما ارتفع الكلام في هذا المعنى فلا بد من أن يعود إلى أن خلق ابتداء أدبه من قبل الله الأول البَدِيّ، ولا بد للأب الأول الذي هو أصل التناسل من أن يكون مؤدَّباً معلماً للجوامع، من معرفة جهات المضار والمنافع، مخلوقاً على الفهم وقبول أدب المعلم؛ ليتم بذلك من فهمه نفعُ تعليمِ معلمه، فيقوم به على نفسه وعلى مَن معه مِن ولده، في الأخذ لهم بأدبه، وعقاب مذنبهم بذنبه، وثواب محسنهم بإحسانه، وتوقيف كلٍّ على ضره ونفعه؛ كي يتم بذلك ما أريد لهم من البقاء، وعنهم من تأخير مدة الفناء.

  كذلك هم في الخلق مُجْرَون في طبق بعد طبق، مصرفون مدة بقائهم بين طبقات ثلاث إلى حين فنائهم، لا يخلون منها، ولا مُنصرَف⁣(⁣١) لهم عنها.


(١) في (نخ): متصرف.