[أدلة أخرى على وجوب الإمامة]
  النساء والنهوب، ولكان في ذلك لو كان من الفساد في معرفة الرحم والأولاد ما يقطع تعاطف الرحمة، وما جعله الله سبباً للنسل والتربية؛ إذ لا يعرف والدٌ ولداً، ولكنه وضع للنكاح في ذلك حداً بيَّنَ كنهه ومداه، ونهى كل امرئ أن يتعداه؛ ليعرف كل إنسان ولده فيغذُوَه، وتعطِفه رأفة الأبوة عليه فلا يجفوه ولا يعدوه، وذلك ليتم ما أريد بالناس من التناسل والبقاء إلى غاية ما قدر لهم ودبِّر من الانتهاء.
  وإذا كان الناس على ما ذكرنا مأمورين في الغذاء، ومحدودة لهم وعليهم من الحدود في مناكحة النساء - لم يكن لهم أن يتناولوا من ذلك شيئاً رفيعاً كان منه أو دَنيّاً إلا على ما جعل الله لهم، وقدَّر حكمه بينهم.
  وإذا كان ذلك كذلك، وحكم الله فيه بما حكم به من ذلك لم ينل طالبٌ منهم مطلوبه، ولم يدرك محبٌّ فيه محبوبه، إلا بشديد معاناة، وعسير مقاساة، من العلاج والاعتمال، وحركة كسب الأموال، التي بها يوصل إلى مطلوب الغذاء، ويوجد السبيل إلى محبوب مناكحة النساء. ثم ليس لهم تناول معتمل ولا حركة في عمل حَرُمَ تناولُه عليهم أو حكم بخلافه فيهم.
  ثم إذا صاروا إلى النكاح على ما أمروا به إلى الحد لم يلبثوا أن يصيروا إلى عيال وولد، يحتاجون لهم إلى أقوات التغذية، وأنواع ضروب متاع التربية، مع حاجتهم للأولاد والأنفس إلى ما يحصنهم من الحر والبر من الملبس، وما يستر عورات الرجال والنسوان، وما يظلهم من سواتر الأكنان، وما يحتاجون إليه من اتخاذ الأبنية، وما لا بد لهم منه من أمتعة الأفنية، وكل ذلك من حوائج الإنسان يدخل فيه منهم أشد التنافس، لما يعم جميعهم من الحاجة إليه، ولظاهر ما لهم من المنافع فيه، فلا بد في كله وجميع ضروب معتمله مِن أن يقاموا فيه على حد معلوم، وأن يلزمهم فيه فرضُ حكمٍ معزوم، وإلا اقتتلوا عليه وتواثبوا، وتناهبوا فيه واغتصبوا، وفنوا فلم يبقوا، وصاروا إلى خلاف ما له خلقوا.