[مناقشة من قال: طريق الإمامة اختيارهم للإمام]
  وإن قالوا: الأئمة أولى بالمعرفة. قيل لهم: فما بالكم لم تكتفوا بتلك منهم وتسألوا دلائل الله عليهم عنهم؟
  فإن هم ردوا علينا المسألة قلنا: قولوا ما شئتم أن تقولوا، واسألوا فيما قلنا من الإمامة ومن تجب له عما أردتم أن تسألوا تجابوا - والحول والقوة لله معاً - جواباً فيما تسألون عنه قصداً مجتمعاً.
  فإن قالوا: من أين زعمتم أن الإمامة واجبة العقد ولم يبين الله في كتاب ولا سنة فيها ما أبان في غيرها من عهد؟ ولو كان ذلك عند الله كما قلتم، وكان وجوبه في دين الله بحيث أنزلتم - لكان فرضه مباناً، ولنزَّل به قرآناً، كما نزل بالصلاة وفرضِ مؤكَّدِ الزكاة.
  قلنا: فمنهما بعينهما ومن بيان فرض الله فيهما صح فرض الإمامة، وأنها هي أولى منهما بالتقدمة، فأقبِلُوا قبل الاستماع، وتفهموا فإن الفهم سبب الانتفاع، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ}[الجمعة: ٩]. وإنما تكون الجُمَع جُمعاً إذا كانت هي والإمام معاً، بل ربما تقدمها فكان أمامها، كتقدم الرسول # لفرضها ولحكمها، ومن كانت تعقد له فمتقِّدمٌ قبل تقدمها، مع أنه إذا صح أنها إنما تكون بالأئمة قلهم عليها معقول التقدمة، فهذا دليل فرض الإمامة من الصلاة.
  فأما دليل فرضها من الزكاة فمن قول الله جل ثناؤه: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ١٠٣}[التوبة]، والأئمة مكان الرسول # في أخذها ووضعها بعد الأخذ في مواضعها، وإذا قيل: خذ فالآخذ غير شك ولا امتراء قبل ما يكون من إعطاء أو إباء.
  فهذا دليل على فرض الإمامة من الزكاة، إلى ما قدمنا بيانَه من فرضها بالصلاة.