الإمامة
  فإن قالوا: فما وجه الإمامة عندكم؟
  قيل: وجهُ الإمامة موضع الاختيار من الله معدنَ الرسالة ليكون الموضع معروفاً. والدليل على ذلك: أن الإمامة موضع حاجة الخلق، فلا يجوز أن تكون في موضع غير معروف؛ إذاً بطلت الحاجة وضاع المحتاجون، وإذا كان ذلك فسد(١) التبيين، ودخل الوهنُ في الدين؛ لأن الله تبارك وتعالى وضع الأشياء موضع الحاجة، ووضع للمحتاجين ما فيه صلاحهم، ولولا ذلك لفسد التدبير، وهلك الخلق.
  والدليل على ذلك: أن الله بعث الرسل لحاجة الخلق؛ ليبين لهم ما فيه صلاحهم، وإذا لم يبين لهم ما فيه صلاحهم هلكوا؛ فلذلك قلنا: لا يجوز أن تكون الإمامة بعد النبوة إلا في موضع معروف؛ لحاجة الخلق إليها، وإلا فسد التدبير وضاع الخلق.
  ومما يصدق قولنا: إن الإمامة موضع حاجة الخلق، وإنه لا غناء بالناس عنه - قولُ الله تبارك وتعالى في كتابه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}[النساء: ٥٩]، وقوله: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ}[النساء: ٨٣]، فأمر بطاعةِ معلوم غير مجهول، وأوجب على الخلق ثلاث طاعات ترجع إلى طاعة واحدةٍ، وهي طاعة الله ø، وأنه لا غناء بالناس بعد الرسول ÷ من الإمام، وإلا سفكوا الدماء، وانتهكوا المحارم، وغلب القويُّ الضعيف، وبطلت الأحكام والحدود وحقوق اليتامى والمساكين، ورجع الدِّين جاهلية؛ فلذلك قلنا: إن الإمامة لا تكون إلا في موضع معروف، حتى متى قصدوا إلى ذلك الموضع وجدوا حاجتهم، وإلا اختلفوا وهلكوا.
(١) في نسخة: وإذا كان ذلك كذلك فسد التبيين.