مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

الإمامة

صفحة 314 - الجزء 1

  فإن قالوا: فما وجه الإمامة عندكم؟

  قيل: وجهُ الإمامة موضع الاختيار من الله معدنَ الرسالة ليكون الموضع معروفاً. والدليل على ذلك: أن الإمامة موضع حاجة الخلق، فلا يجوز أن تكون في موضع غير معروف؛ إذاً بطلت الحاجة وضاع المحتاجون، وإذا كان ذلك فسد⁣(⁣١) التبيين، ودخل الوهنُ في الدين؛ لأن الله تبارك وتعالى وضع الأشياء موضع الحاجة، ووضع للمحتاجين ما فيه صلاحهم، ولولا ذلك لفسد التدبير، وهلك الخلق.

  والدليل على ذلك: أن الله بعث الرسل لحاجة الخلق؛ ليبين لهم ما فيه صلاحهم، وإذا لم يبين لهم ما فيه صلاحهم هلكوا؛ فلذلك قلنا: لا يجوز أن تكون الإمامة بعد النبوة إلا في موضع معروف؛ لحاجة الخلق إليها، وإلا فسد التدبير وضاع الخلق.

  ومما يصدق قولنا: إن الإمامة موضع حاجة الخلق، وإنه لا غناء بالناس عنه - قولُ الله تبارك وتعالى في كتابه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}⁣[النساء: ٥٩]، وقوله: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ}⁣[النساء: ٨٣]، فأمر بطاعةِ معلوم غير مجهول، وأوجب على الخلق ثلاث طاعات ترجع إلى طاعة واحدةٍ، وهي طاعة الله ø، وأنه لا غناء بالناس بعد الرسول ÷ من الإمام، وإلا سفكوا الدماء، وانتهكوا المحارم، وغلب القويُّ الضعيف، وبطلت الأحكام والحدود وحقوق اليتامى والمساكين، ورجع الدِّين جاهلية؛ فلذلك قلنا: إن الإمامة لا تكون إلا في موضع معروف، حتى متى قصدوا إلى ذلك الموضع وجدوا حاجتهم، وإلا اختلفوا وهلكوا.


(١) في نسخة: وإذا كان ذلك كذلك فسد التبيين.