مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

[تأكيد الله لأمر المهاجرة وتشديده لفريضته فيها]

صفحة 363 - الجزء 1

  آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ٩٦ أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ ٩٧ أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ ٩٨ أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ٩٩}⁣[الأعراف].

  فينبغي لمن كان في قرية من القرى غير معمولٍ فيها بما يحبُّ الله ويرضى، الغالب على أهلها فيها الظلم والعتا - أن لا يأمن مكر الله وأخذَه لأهلها ضحىً أو بياتاً، ولا يغفل عما يتوقع من أمر الله فيها، من حلول نقمه بها وعليها، وإن أُمْلِيَتْ فأطيل لها الإملاء، فإن بالغفلة يهلك فيها الغُفَلاء.

  وربما أملى الله لقرية فأطال وهو يرى فيها الظلم والضلال، كما قال سبحانه: {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ ٤٨}⁣[الحج]، ففي هذا وأقل منه موعظة لمن يعقل ويبصر، {وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ ١٩ وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ ٢٠ وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ ٢١}⁣[فاطر]، كما قال العزيز الغفور.

  ولعل مَن عَمِيَ قلبُه، وضل فلم يرشد لُبُّه، كما قال الله سبحانه: {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ٤٦}⁣[الحج] أن لا يبصر ما فصَّل الله في هذا الباب من الأمور، فيقول: إنما نزلت نقم الله وعذابه وحل تدميره وعقابه على من أشرك به ولم يقرَّ بربه، فأما نحن فمقرون، وأولئك كانوا يكفرون، ففي قول من قال ذلك لمن يعقل عجب العجب؛ لما فيه على الله من الافتراء والكذب، أو لا يرى من زعم ذلك وقاله وزُيِّن له فيه مقاله أن الله سبحانه عذَّب قرية أهل الاعتداء في سبتهم على ما ركبوا فيه وما مسخهم الله به من معصيتهم، التي لم يخلطها منهم لله ولا لشيء من دينهم إنكار، ولم يأتِ لشركهم في مسخ الله لهم بمعصيتهم من الله ذكر ولا إخبار، بل إنما عظَّم الله سبحانه عصيانهم، وذكر في سبتهم عدوانهم، لإقرارهم فيه على أنفسهم