مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

[تأكيد الله لأمر المهاجرة وتشديده لفريضته فيها]

صفحة 364 - الجزء 1

  بالتحريم، ولما كانوا عليه للسبت من التعظيم، وبتعظيم الله له وتعظيم رسله عندهم في دينهم عظَّموه، وبما حرَّمت عليهم رسل الله حرَّموه.

  ولو كان لا يهلك إلا منكر أو مشرك لكان ما ذكر الله من إهلاكه للقرى بالعداوة⁣(⁣١) والظلم تلبيساً شديداً، وحيرة في الفهم والعلم، لا يخاف الهلكة معه ظالم ولا مفسد، ولا طاغٍ مقر متمرد، بل كان كل مَن فسَقَ وظلم، وطغى وتعدى وغشم، آمناً للغِيَر والنقم، في كل فسق وجرم.

  وإنما الشرك ضربٌ من ضروب الفسق والظلم، خصه الله بخاصة من الكبر والعظم، كما قال لقمان #: {يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ١٣}⁣[لقمان]، فخصه لقمان بما خصه الله به من التعظيم، وكل كبيرة سوى الشرك من المعاصي فقد خص الله أهلها فيها بالتظليم، والكبائر وإن اختلفت بأهلها فيها الشئون، فبالظلم وإن اختلف هلكت القرى والقرون، ولذلك وبه وما ذكرنا من قدره ما يقول الله سبحانه: {وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا ٥٩}⁣[الكهف].

  وإن - فيما ذكر الله لا شريك له في سورة الطلاق، وما عظَّم فيها من خلاف أمره حتى في الفراق، والإشهاد عليه إذ كان بشاهدي عدلٍ، وما حكم به على المؤمنين في السورة كلها من حكمه الفصل، وما خَوَّفهم فيها به من ترك أمره وعهده ونهاهم فيها عنه من التقصير، وذَكَّرهم به في عُتُوِّ القرى عن أمره من التذكير - لدليلاً مبيناً وعلماً يقيناً بأنه يهلك القرى إذا أراد وشاء بالعتوِّ والفسوق والعدوان، وبكبائر الظلم والعصيان، إلا أن يَدفع ذلك عنهم في الدنيا برحمته، ويؤخرهم بالعقاب فيه إلى يوم حشره وبعثته.

  فاسمعوا لقول رب العالمين في ذلك للمؤمنين بعد الذي أمرهم به في السورة


(١) في نسختين: بالعدا.