[تأكيد الله لأمر المهاجرة وتشديده لفريضته فيها]
  من أمره: {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا ٨ فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا ٩ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فَاتَّقُوا اللَّهَ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا ١٠ رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا ١١}[الطلاق]، فلما كان جميع من في القرية لا يخلو من عامة أو خاصة متعدية، وكان أمر الله وأمر رسوله للعامة في الخاصة المتعدية الظالمة أن يجاهدهم إن قووا وانتصفوا، وأن يهاجروهم وينتقلوا عنهم إن ضعفوا، فلم يفعلوا ما أمروا بفعله - كانت القرية كلها عاتية عن أمر الله وأمر رسله، فحل عذاب الله بذلك فيهم، ونزلت نقمات الله فيهم وعليهم، وكان كلهم ظالماً عاتياً، فاستحقوا جميعاً الهلاك(١) بظلمهم وعتائهم، وعصيانهم واعتدائهم، ولو كان الأمر في ذلك كما قال من لم يُهدَ فيه لرشده، ولم يُسدَّد في القول للهدى وقَصْدِه، لكان في ذلك من التجرية لكل نفسٍ متعدية ما تقل معه لله منهم الطاعة، ويعظم به وفيه عليهم الفساد والإضاعة، ولكن لم يأمر الله سبحانه في السورة كلها وَيَنْهَ، ولم يكن بما فيها من التذكير والتحذير واعظاً منبهاً، إلا لمن آمن من المؤمنين به، ولم يجحد بشيء من رسله ولا كتبه.
  فافهموا هديتم قوله سبحانه: {آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ}، فإنكم إن تفهموا ذلك يَبِنْ لكم إن شاء الله ما التبس عليكم في كل ما ذكرنا من الأمور، وخرجتم ببيان الله فيه من ظلمات الهوى إلى نور الحق والبر والتقوى.
(١) في نسختين: المثلات.