[تأكيد الله لأمر المهاجرة وتشديده لفريضته فيها]
  {فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا}[يونس: ٩٠]، وقال سبحانه: {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ٦١}[الشعراء]، يعني سبحانه: جماعة بني إسرائيل وجماعة القوم الظالمين، فلم يمنعهم هول الرؤية والمعاينة، وما طُلِبُوا عند ذلك من الهلكة والمنازلة، عن النفاذ على ما أمروا به من المهاجرة، منطلقين بكليتهم ونسائهم وصبيتهم، لا يلتفتون إلى شيء، قد خرجوا ليلاً سارين، لظفر فرعون وجنوده خائفين محاذرين. فهذه هديتم عزائمُ الموقنين بالمرجع إلى رب العالمين، فأما من ضجَّعَه تربُّصه وارتقابه، وصرعه شكه وارتيابه، فما أبعده في الهجرة من عزمهم! وما صاروا به إليها من علمهم(١).
  وقال موسى صلى الله عليه إذ عصته بنو إسرائيل فيما عهد الله إليهم وإليه من دخول الأرض المقدسة، وما اعتلُّوا به عليه من خوفهم لمن فيها من الجبابرة المتعفرتة: {قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ ٢٥}[المائدة]، سأل اللهَ صلى الله عليه أن يفرق بينه وبينهم؛ إذ أجمعوا جميعاً كلهم على ما يسخط الله منهم، إكباراً منه صلى الله عليه للمقام مع معصية الله فيهم، فكيف يُجَاوَرُ العاصون في أكثر الأحوال أو يُصار إليهم؟!
  وفي ذلك ومثله ورضا الله به من أهله ما يقول الله سبحانه: {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا ٧٥}[النساء]، فكفى بهذا كله وما تلونا منه في وجوب الهجرة بياناً وتنويراً.
  وما كان من موسى صلى الله عليه عند رجعته إلى قومه في أخيه إذ أقام مع العاصين في مكانهم وهم مصرون لله على عصيانهم، ففيه عبرة لمعتبر، وبيان
(١) في (أ) ونخ: عملهم.