[تأكيد الله لأمر المهاجرة وتشديده لفريضته فيها]
  وموعظة لمدَّكر، قال الله سبحانه لا شريك له: {وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ١٥٠}[الأعراف]، فأخذ صلى الله عليه برأس أخيه يجره إليه غضباً وأسفاً، وتغيظاً وتلهفاً، وإعظاماً وإكباراً، وتقبيحاً وإنكاراً لمقامه معهم وبين أظهرهم مع ما صاروا إليه من معصية الله في أمرهم، وهارون صلى الله عليه مباين لهم فيما هم فيه من عصيانهم وضلالهم وما ارتكبوا فيما بينهم وبين الله من سيء أفعالهم، يأمرهم فيه دائباً بالهدى، وينهاهم عما هم عليه من الضلالة والردى، يناديهم في إنكاره وتقبيحه وإكباره بصوتٍ منه صيِّتٍ رفيع، يسمعه منهم كل سميع متمسك صلى الله عليه في نفسه ومن أطاعه من آله وغيرهم من قومه بعِصَمِ الحق والرشد والهدى، بريءٌ مما هم فيه من الضلالة والردى، يقول صلى الله عليه: {يَاقَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي ٩٠}[طه]، فما منعه ذلك كله من سخط موسى عليه، ولا من وثوبه صلى الله عليهما إليه، يجره بلحيته ورأسه، وهارون في كُرَب أنفاسه، يعتذر في غمه وكربه وفيما نزل منه به بما يراه هارون صلى لله عليه له عذراً، وعدوه من عصاة بني إسرائيل يرى مِن فعلِ موسى به ما يرى، وهارون يعتذر إليه صلى الله عليه، فما قَبِل موسى ذلك منه، ولكنه نبهه لما غفل عنه، فقال صلى الله عليهما: {قَالَ يَاهَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا ٩٢ أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي ٩٣}[طه]، قوله: {أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي} يدل على أن قد كان أمَرَه أن لا يقيم - صلى الله عليهما - مع من شاقَّ الله وكفَرَه، وقوله: ما منعك ألا تتبعني إذ عصوا ما منعك أن لا تتركهم وتلحقني، {قَالَ يَاابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي ٩٤}.