مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

[تأكيد الله لأمر المهاجرة وتشديده لفريضته فيها]

صفحة 373 - الجزء 1

  فهل رأيتم هديتم من قولٍ أشبه بأن يكون عذراً من قول هارون واعتذاره، مع ما كان من أمره ونهيه وإنكاره؟ فلما علم موسى صلى الله عليه ذلك كله، وأن هارون صلى الله عليهما أتاه وفعَلَه، وأن جميعَ ما فعل من ذلك وإن كان إحساناً وكان لله تبارك وتعالى رضواناً غيرُ مقبول عند الله منه، وأن مقامه مع الظالمين ذنبٌ يحتاج إلى الله في العفو عنه - قال موسى بعد اعتذار هارون صلى الله عليهما إليه، واستعطافه بذكر أمه له عليه، إذ يقول: {ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ١٥٠}⁣[الأعراف]، فلم يستغفر موسى لهارون ذنبه، ولم يسأل العفو عنه ربَّه، حتى علم هارون أنه قد كان أخطأ في مقامه مع الظالمين، يرى ويعاين عصيانهم لرب العالمين، فعندما اعترف هارون بزلته في مقامه معهم وتركه لاتباع موسى عندما رأى منهم قال موسى صلى الله عليه: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ١٥١}⁣[الأعراف: ١٥١]، وقول موسى لهارون صلى الله عليهما: {أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي ٩٣}⁣[طه]، بين أن قد كان أمره وقال له: إن رأيت من القوم عمى أو ضلالاً أو ظلماً، فلم يقبلوا قولك فيه، وأقاموا مصرين عليه، فالحقني وأْتِني واتبعني، فهذا وجه قوله: {أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي}، يقول: فأقمت مع مَن كَفَر وظَلَم، وجاورت مقيماً مع من أجرم.

  وفي موسى نفسه صلى الله عليه ومن كان معه وتبعه لميقات الله له من خيار بني إسرائيل ما يقول الله تبارك وتعالى فيما نزل على محمد ÷ من كتابه الحكيم: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ ١٥٥}⁣[الأعراف]، فأخذتهم الرجفة، وحلت بهم من المعصية المخافة، وهم هم، ومع سخطهم لهم، فوصلت معرَّةُ العاصين منهم إلى من قد