[تأكيد الله لأمر المهاجرة وتشديده لفريضته فيها]
  زال عنهم، فلما أصابتهم الرجفة، ظنوا أنها الهلكة المتلفة، ولم تكن تلك الرجفة من الله لهم هلكة مدمرة، ولكنها كانت من الله لهم ولغيرهم من الأمم موعظة وتذكرة، نفعهم الله بها وأولياءه، وذعر بها من الأمم أعصياه؛ رحمة من الله للمطيعين والعاصين، وموعظة للفريقين من رب العالمين، فتبارك الله فيها أحكم الحاكمين، والحمد لله بها وفيما كان منها لأرحم الراحمين.
  ومن ذلك وفيه فخبر الله جل ثناؤه عن عيسى صلى الله عليه، بعد الذي كان من إخباره عن موسى صلى الله عليه بما قد سَمِعَتْه عن الله آذانُكم، وأحاط به يقيناً إيقانكم، من مهاجرته صلى الله عليه، وسياحته مهاجراً على قدميه، هارباً لسخطه في الله من بني إسرائيل؛ إذ لم يعملوا بما في أيديهم من التوراة، ولم يقبلوا ما جاءهم به من الإنجيل، وأَبَوا إلا الكفر لنعمة الله، والمشاقَّة بعصيانهم على الله، فلما أحس عيسى صلى الله عليه كفرهم، وتوجس في إصرارهم على الكفر أمْرَهُم، كما قال الله سبحانه: {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ}[آل عمران: ٥٢]، يريد: مَنِ المهاجرُ معي إلى الله، والتابعون لي سياحة في سبيل الله، ولسياحته في الله ونصيحته بها لله سماه الله مسيحاً، وكان لله فيها نصيحاً.
  ولقد قرأنا مما في أيدي النصارى لعنة الله عليها، في كل ما عندها من أناجيلها: (أن عيسى ابن مريم لما وجَّه في المدائن والأمم للدعاء إلى الله حوارييه قال: لا تزودوا معكم زاداً، ولا تحملوا معكم فضة ولا ذهباً، وأي مدينة حللتموها أو أمة دخلتموها فلم تقبل منكم، ولم تسمع الحق عنكم، فأقلّوا بها وفي أهلها مقامكم، وانفضوا من غبارها إذا خرجتم عنها أقدامكم، لكيما تكون شهادة لله عليهم، وحجة باقية من بعدكم فيهم، فخرجوا فكانوا يطوفون في المدائن والقرى، وينشرون أمر الله فيهم نشراً).
  ومن مثل ذلك وفيه ما كان يقول صاحب إنجيلهم صلى الله عليه: (للسباع