[تأكيد الله لأمر المهاجرة وتشديده لفريضته فيها]
  مغارٌ، وللطير أوكار، وليس لي مأوى آوي إليه، ولا بيت أستكن فيه)، فأين هذا ومثله وما كانت عليه أنبياء الله منه ورسله مِن جوار مَن ظَلَم وفَجَر، وساكن وكثَّر وعمر؟ لا أين، والحمد لله! والحجة البالغة فلله، ونستعين فيما وجب علينا في ذلك بالله.
  فالهجرة أمرها عظيم كبير، وفرضها في كتاب الله مكرر كثير، لا يجهله إلا جهول، ولا ينكره إلا مخذول، إلا أنه قد قطع ذكرَها، وصغَّر قدرَها، وأَمْحَى عهودَها، وحل عقودَها، تحكُّمُ الناس على الله فيها، وتظاهرُهم بالمخالفة لله عليها.
  والمقام مع الظالمين في دارهم محرم، حكْمٌ من الله كما ترون أولٌ مقدمٌ، قد جرت به سنة الله قبلكم في الماضين، وسار به من قد مضى قبل رسولكم من المرسلين - صلى الله عليه وعليهم - في الأمم الذين كانوا فيهم.
  فكفى بهذا في وجوب الهجرة وما حرم الله من جوار الظالمين والفجرة نوراً وبرهاناً، وحجة وبياناً، لمن آثر الله على ما يهوى، ولم يَمِل مع هواه على التقوى.
  فأما من لا يصبر عما تجمع ديار الظالمين من الشهوة والفكاهات، وما يأوي إليها ويجتمع فيها من المجالس الملهيات، فما أبعده وأصدَّه وأدفعه وأرَدَّه للبيان فيما عطَّل من هذه الفريضة وبدَّل، وافترى في خلافها ومضادَّتِها على الله وتقوَّل، فإلى الله المشتكى من ذلك وهو المستعان، فما بعد بيان الله في ذلك بيان فيه شفاء لمشتفٍ ولا اكتفاء لمكتفٍ، وما بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون، {كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ٣٣}[يونس].
  فاتقوا الله في الهجرة أيها الناس، فلا يقطعكم عنها الإلف والإناس، والمعارف والأحباب، والمجالس والأصحاب، والفكاهات والألعاب، والشك فيها والارتياب، فإن الله وملائكته أنسٌ لمن هاجر إليه، وقام لله من الهجرة بما يحب عليه، من كل إلفٍ وأنيس، وصاحبٍ وجليس، ورضا الله أرضى من كل