[تأكيد الله لأمر المهاجرة وتشديده لفريضته فيها]
  بَهِيجٍ ٥ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ٦ وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ ٧}[الحج].
  ووجه الدلالة في هذه الآية فهو: كون الإنسان تراباً ثم نطفة ثم علقة، لا تخلو هذه الأحوال من خلتين:
  إما أن تكون محدثة أو قديمة، فإن كانت محدثة فهي إذاً من أدل الدلائل(١) على وجود إنيته، لعلل:
  منها: أن المحدَثَ متعلق في العقل بمحدثه، كما كانت الكتابة متعلقة بكاتبها، والنظم بناظمه؛ إذ لا يجوز وجود كتابة لا كاتب لها، ووجود أثر لا مؤثر له في الحس والعقل.
  ومنها: أن المحدث هو ما لم يكن فكون، فهو في حال كونه لا يخلو من أحد أمرين:
  إما أن يكون هو كون نفسه أو غيره كونه.
  فإن كان هو الذي كون نفسه لم يخل أيضا من أحد أمرين:
  إما أن يكون(٢) كون نفسه وهو معدوم أو كَوَّنَهَا وهو موجود، فإن كان كونها وهو معدوم فمحال أن يكون المعدوم أوجد نفسه وهو معدوم، وإن كونها وهو موجود فمحال أن يكو الموجود أوجد نفسه وهو موجود؛ إذ وجود نفسه قد أغناه على أن يكوِّنها ثانياً. فإذا بطل هذا ثبت أن الذي كونه غيره، وأنه قديم ليس بمحدث، إذ لو كان محدثا كان حكمه حكم المحدثات.
  وإن كانت الأحوال قديمة فذلك يستحيل، لأنا نراها تحدث شيئا بعد شيء في حين واحد في نفس واحدة، فلو كانت كلها مع اختلافها في أنفسها وأوقاتها قديمة لكانت الترابية نطفة مضغة دما علقة عظما لحما إنساناً في حالة واحدة، إذ
(١) في (أ): الدلالة.
(٢) في (أ): إما أن يكون المعدوم كون نفسه.