مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

[أقوال ابن المقفع والرد عليها]

صفحة 435 - الجزء 1

  وإنما يكون سبيلهم لهم سبيلاً وغياً إذا كان كل أحد سواهم منه برياً، وإنما يكون السبيل لله سبحانه سبيلاً إذا كان إليه داعياً وعليه دليلاً، فهذا - ويله - وجه السبيلين، لا ما قال به من محال الشيئين⁣(⁣١).

  وقال: هل تعلم يا هذا لِمَ خلق الخلق؟ فنعم نعلم لِمَ إذ علَّم وفهَّم ومَنّ، وما نزَّل⁣(⁣٢) من ذلك وبيَّن، أما الجن والإنس فلِما قال تعالى من عبادته؛ إذ العبادة له واجبة على أهل النعمة في محمدته، وأما ما سوى الثقلين فلهما⁣(⁣٣) خَلَقَه، وبه استحق عليهما من الشكر ما استحقه، فذلك قوله جل ثناؤه، وتباركت بقدسه أسماؤه: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ٥٦ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ ٥٧ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ٥٨}⁣[الذاريات]، ومن ذلك قوله سبحانه: {اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ١٢ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ١٣}⁣[الجاثية]، فسبحان الله مستحق الرضا ممن أطاع أو عصى بأحق حقائق الاستحقاق، وما يحق للخالق الرزاق.

  فأما قوله: فما أراد بخلقه الخيرَ أم الشرَ؟ فالخير أراد بهم جميعاً سبحانه معجلاً، وثواب المحسن منهم أراد جل ثناؤه مؤجلاً، فأراد سبحانه الخير في كلهم إرادة تعجيل، أتمها فأكملها أفضل تكميل، لا كما يريد من لم تتم إرادته ولا تحق على غيره عبادته، وأما إرادته في التأجيل فإرادةٌ خلافُها يستحيل؛ إذ لا تكون بُنية أهل الدين إلا بُنية تمليك وتمكين، وأنه متى كان غير ذلك لم تكن البنية بمحكمة، ولم يُر فيها ما يرى من آثار الحكمة، وكانت مواتاً لا تفعل، أو


(١) في (أ): السنين.

(٢) في (أ): أنزل.

(٣) يعني: للثقلين.