مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

[أقوال ابن المقفع والرد عليها]

صفحة 436 - الجزء 1

  شيئاً من الأشياء لا يعقل، فليعقل - ويله - أسباب حكم الله المترافدة، وليعلم تعالِي الله عن بنية أعيان الأشياء المتضادة، التي لا تقوم بحال في وَهْم الأصحاء، ولا توجد بفهم في جهلاء ولا علماء.

  وأما قوله لعنه الله: إن ربهم على كرسيه قاعد، وإنه تدلى فكان قاب قوسين أو أدنى - فيا لَعباد الله من أعطاه - قاتله الله ما أعظم فِراه - أنه جلس فقعد، أو تدلى أو صعد، من حيث ظن أو كما توهم، وما نبالي ما قال علينا كذباً، وادعاه من القول فينا تلعباً، إن الذي قال من قعد وتدلى وانقلب، وجزع وافتخر وأنشأ وغلب - فأكثر فيه من هذا القول علينا كذباً وقرفاً وخُلْفاً - لشيءٌ ما علمتُ أن مِلِّياً ولا ذمياً يعقل ما قال [قال] منه قط حرفاً، وبلى ولعله وعسى أن يكون ظن قوله: {اسْتَوَى}، فلا لم يعنِ الله بها ما عنى، وما لله سبحانه من ذلك لو عنى به ما ظن هنالك من المدح المعظَّم والتعظيم المكرَّم.

  أما علم أن ما يراد بالاستواء الإجلال لله والإعلاء بِمِلكِه لما فوق السموات العلى، وأنَّ استواءه على ذلك كاستوائه على الأرض السفلى، وأن استوى في هذا كلمةٌ من الكلام جائز معناها بين الخواص والعوام، تقول العرب إذا ظفرت بأحد أو غلبت على بلد: لقد صرت إليها واستويت عليها، تريد غلب سلطاني⁣(⁣١) فيها، فهذا وجه قوله جل ثناؤه: {اسْتَوَى}، لا ما يذهب إليه فيه من العمى.

  وأما ما جهل من قول الله تبارك وتعالى: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ ١٧}⁣[الحاقة] فقد يمكن أن يكون ثمانية أصناف، أو ثمانية آلاف، أو ثمانية معانٍ ليس مما يُدرك بعيان، وأن لا تكون كما ظنوا ملائكة، وأن أقل ما في ذلك إذ لم يأتهم عن الله فيه بيان أن تكون قلوبهم فيه ممترية شاكة؛ لأن ذلك قد يخرج


(١) في (أ): سلطانك.