[أقوال ابن المقفع والرد عليها]
  حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ ٢٦}[النحل]، أفتَرَى أن أحداً يعقل أو لا يعقل يتوهم أن هنالك سقف بناء مسقوف(١)، وأنَّ {فَخَرَّ عَلَيْهِمُ} إنما هو بمثل ما يعرف من سقوط السقف؟ ما يتوهم هذا أحد، ولا يضل فيه من ذي لب قَصْد، وهو أيضاً وتوجهه من تنزيل الله في كتابه بهذه الوجوه كلها في فهمه وإعرابه يدل على غير ما توهم فيما ذكر كله، إلا أن يأبى ذلك مكابرة لعقله.
  وقوله في الكيد سبحانه: {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ ٤٤}[القلم]، وقوله في المنافقين: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ}[النساء: ١٤٢]، وقوله سبحانه في الاستهزاء: {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ١٥}[البقرة]، فإنما يريد تركه لهم وتأخيره إياهم وهم عاصون، لا ما ظنه ابن المقفع بالله كذباً، ولا استهزاء يكون من الله لعباً، كقول قوم موسى إذ قال لهم ﷺ: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ٦٧}، فهذا الاستهزاء إذا كان كذباً، وقول الخادع إذا(٢) كان لعباً - فإلى المخلوق يضاف وينسب؛ لأنه هو الذي يلهو ويلعب، فهذا وجه الاستهزاء منه والخداع والمكر، لا ما يذهب إليه كل عمي ضيق العلم والصدر.
  وإذا قيل له سبحانه: يرضى أو يحب أو يأسف أو يسخط أو يغضب فإنما ذلك إخبار عن أقدار الطاعة والعصيان، وجزاء الإساءة عنده والإحسان، لا يتوهم مع ذلك ضمير مسكون، ولا حركة منه في رضا ولا سخط ولا سكون، وكيف يكون عندنا غير هذا وهو - ويله - عندنا: {اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ}[الحشر: ٢٢]، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ١١}[الشورى]، {الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ
(١) في (أ): مسقفاً وأن: فخر عليهم.
(٢) في (أ): فإذا.