مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

[أقوال ابن المقفع والرد عليها]

صفحة 441 - الجزء 1

  وظن مصون عجيبها مبتذلاً، وأراد ويله علم سر أنبائها، وما طواه الله إلا عن الأصفياء في إيحائها⁣(⁣١)، وكَلَّا، لم يجعله الله لعلمها أهلا، ولم يجعل قلبه العمي لها محلا، بل أخفاه الله وزمَّله، ولم يعطه إلا أهله، فإن كان جهله يُصيِّر المعلوم مجهولاً فقد يوجد كثير مما هو عنده علم مجهولا، وليس من جهل لذي فضل فضيلته ولا من رأى أمراً فلم يدر علته يسلب ذا فضل فضله، ولا يزيل عن ذي علل علله، وقد يرى - ويله - هو آلات الصناعات وأشياء كثيرة من أنحاء الأمتعات فلا يدري لِمَ ذلك، وأهله به دارون، ولا يشعر بما فيه من المنافع وهم يشعرون.

  فأين - ويله - كان من إحضار هذا وهمه؟ ألا - ويله - حكم بما رأى من هذا وأشباهه حكمه، ولكنه يأبى إلا تحكم العمى والاعتداء، والمكابرة في العلم للعلماء، وإلا فلِمَ لم يفكر إن كان ذا فطنة، وينظر إن كان من أهل النظر فيما يستدل به أهل الكتاب والعرب من هذه الأحرف على ضمائر كل مغيب، فكانت هي الدليل لهم على الكتاب، والسبب لعلمه دون جميع الأسباب، أفما رأى ويله سر عجائبها فيما تنبئ عن محجوب غيبها من سرائر قلوب المتكاتبين بها، ويدور⁣(⁣٢) من الأنباء في البعد بسببها؛ اكتفاء منهم بها في أنباء الأمور من كل مشاهدة بين المخبرين⁣(⁣٣) أو حضور، فهذا وأشباهه فليس لمثله فيه مدخل تعنيف، ولا يشتغل منه ولا من مثله فيه بمنازعة في تحريف، مع أن لهذه الوجوه


(١) في (ب): أنحائها.

(٢) قوله #: (يدور) معطوف على «تنبئ» في قوله: «فيما تنبئ عن محجوب غيبها». (من خط السيد العلامة المجتهد محمد بن عبدالله عوض المؤيدي حفظه الله).

(٣) (بين المخبرين) متعلق بـ «مشاهدة» وهو اسم فاعل، أي: أن الكتابة أو الحروف تقوم مقام المخبر الحاضر والمشاهد للحدث. (من خط السيد العلامة المجتهد محمد بن عبدالله عوض المؤيدي حفظه الله).