[أقوال ابن المقفع والرد عليها]
  من التفاسير ما لو سقط عنا علمها في التنزيل لكان علينا أن نعلم أن لها مخارج عند الحكيم، ووجوهاً صحاحاً في علم العليم.
  ولو كان جهلنا بها يزيل صحتها أو يبطل عن الحكيم حكمتها لما ثبتت للحكماء حكمة، ولا في علم العلماء معلمة؛ إذ توجد العامةُ لا تعلمُ علمَها، ولا تعرف للحكماء حِكَمَها، ولو لم يثبت العلم لعالمه ولا حكم الحكمة لحاكمه إلا بأن يعلم غيره منه ما علم، أو يحكم في الأمور كما حكم - لما كان في الأرض من أهلها جاهل، ولما وجدت بين الناس في العلم فضائل.
  وما - ويله - في جهله لحكم الكتاب وما جعل الله فيه من عجائب الأسباب مما يلحق(١) بالله جهلاً، أو يزيل عن كتابه فضلاً، ما له - لعنه الله - تأبى به عماياته إلا تباباً؟ لقد كابر من فرَّق ما بين الجهلاء والعلماء ما لا يكابره ذوو العمى، يقيناً منها(٢) به وعلماً، ومرمىً منها إلى غير ما رمى.
  والتبيان في هذا بيننا وبينه وما ينبغي أن نشتغل به منه فإنما هو في تثبيت الصانع ورسوله، لا فيما أنكر وفنَّن فيه من هذيان قيله، فإذا ثبتت الحجة فيهما وأقمنا دليل الحق عليهما علم بعد إقامة الدليل أن الحكمة ثابتة موجودة في التنزيل، جُهِلَ ذلك أو عُلِمَ، أو تُوُهِّم فيه أو لم يُتَوَهَّم.
  فدليل معرفة الله الذي لا يكابر، وشاهد العلم بالله الذي لا يناكر - ما أرى وأوضح مما تراعيه أعين الناظرين، وتحيط بالتحديد فيه أفكار المفكرين من الأشياء كلها، في تأثير مؤثرها، وتصوير صور مصوَّرها، وتناهي أقطار موجودها، وظاهر افتطار محدودها. وما ذكره منها ذاكر ووصفه منها واصف،
(١) في (أ): مما لم يلحق.
(٢) الضمير في (منها) يعود إلى «ذوو العمى» أي: يقيناً من عند أنفسها بحكمة الكتاب، أي: أنهم لم يكابروا كما كابر الطاعن في حكمة الكتاب. (من خط السيد العلامة المجتهد محمد بن عبدالله عوض المؤيدي حفظه الله).