[أقوال ابن المقفع والرد عليها]
  أو تصرف بوصفه من الواصفين لها متصرف - ففيه لمن نظر وأنصف وعدل في النظر فلم يحف دليلٌ على حدوث الأشياء مبين، وشاهد ثابت لا(١) يدفع مكين؛ إذ الأشياء كلها محدودة، والآثار في قائمها موجودة، ومعلوم بأن التحديد إذا وجد لا يكون إلا من محدد غير محدود، ولا أثر إذا عُوين إلا من مؤثر موجود، ولا تصويرُ مصوَّرٍ إلا من مصوِّر، ولا فطرة مفطور إلا من مفتطر، كما لا يكون كتاب وجد إلا من كاتب، ولا تركيب إذا كان إلا من مركب، ولا فعلٌ مَّا كان إلا لفاعل، ولا مقالٌ قيل إلا من قائل، فالله تعالى مؤثِّرُ كلِّ مؤثَّر، والفاعل جل ثناؤه لكل مفتطر، لا ينكره إلا مناكر، ولا يأبى الإقرار به إلا مكابر، والمناكر فغير منكر، والمكابر فغير مستنكر.
  فلِمَن أنهج إلى معرفته السبيل وأوضح بمنته الدليل الشكرُ على إبانة التعريف، ووضوح دلالة التأليف، التي لا يضل عنها إلا متضالل، ولا يجهل معلومها إلا متجاهل، ولا يبور(٢) على الله فيها إلا خاسر، ولا يجور عن قصدها إليه إلا جائر.
  وإذا ثبت تأثير الأشياء كما قلنا، واستدل امرؤ عليه من حيث استدللنا، فمعلوم أن المؤثر بعيد الشبه عن مؤثره، وأن من ولي تصوير المصور متعال عن مساواة مصوره، وأنه إن قَرُب من الشبه منه، أو لم يفرق بينه جل ثناؤه وبينه في كل معنى من معانيه، وفيما جل أو دق مما فيه - جعل كهو في عجزه ومقاديره، وذُلِّ ضعفه وتأثيره، وعاد المؤثِّر مؤثَّراً، ومصوِّر الأشياء مصوَّراً، فأثبتوا على المؤثِّر سمة المؤثَّرين، وأضافوا إلى الله تعالى ذلة تصوير المصوَّرين، وكان في قولهم وما سلكوا من سبيلهم(٣) المؤثِّرُ مؤثَّراً، ومصوِّرُ الأشياء مصوَّراً،
(١) في (أ): وشاهد ثابت بإله لا يدفع محدثها مكين.
(٢) في (أ): ولا يثور.
(٣) في (أ): سبلهم.