[أقوال ابن المقفع والرد عليها]
  هذا هو الحدث والكون، إلا أنه من صِغَر أقداره لا يوجد ولا يُحس به، وهو لا منتهى له في عدده، وإن كل ضد من الأشياء مختلط بضده، البياض بالسواد، والنامي بالجماد، والعظم باللحم، واللحم بالعظم، ليس شيء منه بخالص وحده، ويرون أن طبيعة الشيء هي الأكثر منه أو مما ضاده.
  يا هؤلاء، إنه إن كان الشيء لا منتهى له في نفسه لم يعرفه أبداً عارف، وإن كان لا منتهى له في عِدة أو كثرة(١) لم يكن للكمية مَعَارف، وإن كان لا منتهى للشيء في الصورة كانت الكيفية مجهولة، وإذا كانت الأشياء لا تعرف لأنه لا منتهى لها فما كان منها فلا يعرف أيضاً مثلها، وإنما يعرف ما يدرك ويسهل بمعرفته المسلك إذا علم من كم رُكب، وأي الأشياء هو إذ تركب(٢)، ومضطر أن يكون ما كان من الأشياء لما منه كان نظيراً، قليلاً كان منه إذ كان أو كثيراً، وأن الذي يكون عنه كالكل إذا يكون منه.
  فإن كان لا يستقيم أن يكون الحيوان ولا ما جعل الله له من الأجسام، ولا الأشجار ولا ما جعل الله له من الثمار بلا منتهى في عظم ولا صغر، ولا فيما يرى له من قدر - فكذلك الكل عند من يعقل ذو نهاية؛ إذ هذه الأشياء التي هي أجزاؤه ذوات غاية، ولا يستقيم له ما لم يستقم لأجزائه، وإنما تناهيها من قِبَل انتهائه.
  وإن كان الحيوان والشجر وأجزاؤهما التي لحق بها في وصفها انتهاؤهما لَسْنَ حوادث مفتعلة، وإنما يريد القائل بحوادث منفصلة، وبعضها عندهم فبعض، فالماء منها هو الأرض، والأرض فهي الماء، والماء فهو الهواء - فإن ذلك يصير إلى أن كل موجود فمن موجود، والموجود فلا يصح أن يقال له: يكون ولا يعود، وكيف يكون الكائن أو يبين شيء من شيء وهو بائن؟ كقولك: إن الماء ينفصل من اللحم، واللحم ينفصل من الماء، كيف والماء فأصلٌ موجود، وإن
(١) في (أ): في عدده أو كُثره.
(٢) في (ب): ركب.