مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

[ذكر جميع أصول النصارى]

صفحة 476 - الجزء 1

  هذا كله فيها مجتمعاً.

  وكذلك الإنسان، فإنه وإن كان في الإنسانية واحداً فإنا قد نراه وترونه أشياء كثيرة عدداً، منها نفسه وجسده، وحياته ومنطقه، فجسده⁣(⁣١) غير نفسانيته، ومنطقه غير حياته، لأنه ليس يقدر أحد أن يزعم أن الحياة هي المنطق، ولا أنهما جميعاً واحد متفق، لأن كثيراً من الأحياء لا يتكلم ولا ينطق.

  قالوا: ولسنا نريد بالمنطق القول الذي يسمع سماعاً، ولكنا نريد الفكر الذي جعله الله في الإنسان غريزة وطباعاً، وفطرة خاصة في الإنسان لا في غيره من الحيوان، كالحيوان الذي جعل من البهائم وغيرها من نوابت الأرض وشجرها، ولو كانت الحياة هي المنطق لكان كل حي من الأشياء ينطق، فنَطَقَ جميع البهائم كما ينطق⁣(⁣٢) بنو آدم.

  قالوا: فلما لم يكن الأمر كذلك دل على ما قلنا به من ذلك، فالأب والابن وروح القدس كان دركهم بعقل أو حس قد صاروا في الذات والطبيعة واحداً فرداً، وفي الأقانيم التي هي الأشخاص ثلاثة عدّاً، فالطبيعة تجمعهم وتوحدهم، والأقانيم تفرقهم وتعددهم، فالأب ليس بالابن، والابن فليس بالروح. وما قلنا به من هذا فبين مشروح، فهم كلهم بالطبيعة والذات واحد، وهم في الأقانيم ثلاثة: روح وابن وأب والد؛ لأن الأب والد غير مولود، والابن فمولود غير والد، والروح فثالث موجود لا والد ولا مولود.

  قالوا: ثم إن هذه الأقانيمَ الثلاثة التي لم تزل جميعاً معاً ثلاثةٌ عدداً، لم يسبق في الوجود⁣(⁣٣) والأزلية والقدم واحدٌ منها واحداً، أنزل واحد منها - وهو الابن - إلى الأرض رأفة بالبشر والإنس، عن غير مفارقة منه للأب ولا لروح القدس،


(١) في (أ، ب): منها نفسه وحياته، فجسده ... إلخ.

(٢) في (أ): كما نطق.

(٣) في (ب): لم يسبق في الأزلية والقدم واحد منها واحداً.