[ذكر جميع أصول النصارى]
  إلى مريم العذراء، فاتخذ منها حجابا وستراً، فتجسد منها بجسد كامل في جميع إنسانيته، فتبدَّى به وظهر فيه لأعين الناظرين عند معاينته، فأكل كما يأكل الإنسان وشرب، وساح على قدميه ودأب وتعب، وأسلم نفسه رأفة ورحمة بالبشر للصلب، ولما صار إليه - لكرمه وحلمه - من الأذى والنصب.
  ثم اختلفت النصارى بعد في الابن والولد(١)، وما كان من تجسده بما زعموا من الجسد، فقالت فيه الروم وهو قولها المعلوم: إن القَنُّوم الإلهي الذي لم يزل موجوداً، ومن قبل الدهور من الأب مولوداً - أنزل إلى مريم العذراء فأخذ منها طبيعة بغير قَنّوم فكان لطبيعتها قَنُّوماً، فعمل(٢) بطبيعتها التي أخذ منها كل ما كان لها في طبيعتها معلوماً، فنام كما كانت تنام نومها وإن لم يكن قنومه قنومها، وفعل من أفعال طباعها فعلها وإن لم يكن أصله في الناسوت أصلها. قالوا: فعمل بطبيعتها، فكان المسيح إنساناً تاماً بطبيعتين وإن كان قنوماً واحداً لا اثنين، والمسيح فهو ابن الله الأزلي المولود، وعمل الطبيعتين جميعاً فهو فيه موجود، قالوا: فإذا سُرَّ أو بكى أو ضحك أو اشتكى - وكلهم يقر ولا يشك أن قد كان يبكي ويضحك - فكل(٣) ما كان من ذلك كله وما أشبهه مما في طبائع الإنس فمن عمل الطبيعة الإنسانية، وما كان من إحيائه الموتى وإبرائه للكمه والبرصى ومثله فمن عمل الطبيعة الإلهية.
  وقالت اليعقوبية: إن الابن الذي لم يزل زال من السماء إلى الأرض ونزل، رأفة منه ورحمة بالإنسان، وتعطفاً منه على البشر بالإحسان، فأخذ من مريم العذراء جسداً فتجسد به فصارا جميعاً واحداً، وقالوا: ألا ترون أن الإنسان من
(١) في (أ): في الابن والوالد.
(٢) سقط من (أ، ب): فعمل.
(*) في (ب): فكان الطبيعة قنوماً لطبيعتها الذي أخذ منها ... إلخ.
(٣) في (أ): قالوا جميعاً: فكل.