[بداية الرد عليهم]
  من علم العلم كان خير أب ... ذاك أبو الروح لا أبو النطف
  وذلك - والحمد لله - في الأمم كلها فأوجد موجود، يقوله الرحيم منهم لمن ليس بابن له مولود.
  ومن ذلك ما كان يقول المسيح صلى الله عليه كثيراً لا تنكره النصارى لحوارييه: «اذهبوا بنا إلى أبينا، وقولوا: يا أبانا أنزل من سمائك طعامك علينا».
  ومن ذلك قوله لهم صلى الله عليه وعليهم: (قولوا: يا أبانا تقدس اسمك لتنزل في الأرض ملكوتك وحكمك).
  فهل يتوهم أحد أنه أب من الآباء يلد وينسل ويتغير ويتغذى؟! أو يصل إليه صَلْبٌ أو نصب أو أذى؟! لا بحمد الله وكلا، وتبارك ربنا عن ذلك وتعالى، ولكنه أرحم بنا وألطف، وأعطف علينا وأرأف من الآباء كلهم والأمهات، ومن أنفسنا فيما يهمنا من المهمات.
  وقد ذكر عن بعض الحكماء ممن مضى من أوائل القدماء أنه كان إذا أخذ في التسبيح لله والذكر قال: الله الذي هو في ذاته محب للبشر. وإنما يراد بالمحبة لهم الرأفة والرحمة بهم.
  وكذلك قال الرحمن الكريم: {إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ٦٥}[البقرة]، فمن أرأف بهم وأرحم وأعطف عليهم وأكرم(١) ممن خلقهم مبتدئا فسواهم وأعطاهم من نعمه ما أعطاهم، ثم دلهم بعد على الهدى، وبين لهم الغي والردى؟ لا من بحمد الله وفضله. فنستمتع الله بالنعم في ذلك كله.
  ومما يحتج به على من كفر منهم بربه جهلا ومجانة قول المسيح بن مريم لهم فيما زعموا من إنجيلهم إبانة، وهو قوله: (جئتكم من عند أبي، وما سمعت عنده
(١) في (أ): فمن أرأف بهم أو أرحم أو أعطف عليهم أو أكرم.