[بداية الرد عليهم]
  فهو ما أكلمكم به، وأنتم لو كنتم منه لقبلتم ما جئتكم به من أمره، ولكنكم من الشيطان وأنتم بنوه، ولذلك قبلتم قوله فلم تخالفوه، وإنما أنتم بنو الخطيئة والشيطان أبوها، وأنتم صاغرون لطاعتكم فبنوها. فقالوا: نحن بنو إبراهيم، ورموه بالبهتان العظيم. فقال: لستم بولد إبراهيم ولا بنيه، لو كنتم ولده لعملتم بما يرضيه، ولكنكم بنو الشيطان والخطيئة،
  أخبروني هل منكم(١) من يرتجي الله بمعصيته؟ فعلام تريدون قتلي؟ ولم لا تقبلون قولي؟ لو عملتم بطاعة الله إذاً لكنتم أبناء الله.
  فجعل - كما ترون - الله أباً لمن أطاعه وأرضاه، وجعل الشيطان أباً لمن أطاعه واتبع هواه، وكفى بهذا حجة دامغة وشهادة قاطعة بالغة على من تأول من النصارى الأبوة والبنوة على ما تأولوها عليه، وما قلنا به من هذا كله فهم كلهم مقرون به في إنجيلهم لا يختلفون فيه.
  فإن لم تكن الأبوة والبنوة إلا على ما قالوا لزمهم أن يتأولوا كل ما في إنجيلهم من الأبوة والبنوة بما تأولوا، فقد يقرون كلهم من ذلك في إنجيلهم بما سنذكره مع ما ذكرنا إن شاء الله من أقاويلهم.
  زعموا أن فيها وفيما يضيفونه إليها: أن المسيح خرج من القرى وتنحى، وصام في البرية أربعين صباحاً، لم يأكل فيها طعاماً ولم يشرب فيها شراباً، فجاءه إبليس في صومه ومنتحاه، فعرض عليه جميع زهرة الدنيا وأراها إياه، فلما رأى المسيح ذلك كله سأله إبليس أن يسجد له سجدة واحدة على أن يعطيه من ذلك كل ما أراه، فلعنه المسيح وأخساه، وقال: لا يصلح السجود لغير الله، اخسأ إليك يا عدو الله، فقال إبليس - زعموا - له عندما جرى من القول بينه وبينه:
(١) في (أ): فيكم.