[بداية الرد عليهم]
  انظروا إلى طير الأرض والسماء، وما خلق الله من دواب الماء، التي لا تزرعن زرعاً ولا تحصدنه، ولا تذخرنه في الأهواء ولا تحشدنه، والله ربكم الذي في السماء يرزقهن(١) في كل يوم ما يصلحهن من الغذاء.
  وانظروا إلى عشب البرية الذي لم ينسج ولم يغزل، ولم يعن منه بشيء ولم يعتمل، كيف يلبسه الله في حينه كل لون زينة تبهجه(٢) أو حسنا أو نوراً. فأنا أقول لكم: إن سليمان بن داود في كل ما كان فيه من ملكه وسلطانه ما كان يقدر على أن يلبس لوناً واحداً مما ألبسه الله العشب من ألوانه، فإن كان العشب في حين تنويره ذا بهجة ونور فعما قليل وبعد يسير ما يجعل وقوداً للتنور، ثم الله - تبارك وتعالى اسمه - يلبسه من البهجة والنور ما يلتمسه.
  فكم ينبغي لكم يا ناقضي الأمانة ألا تهتموا فتشتغلوا، ولا تكثروا من القول لأنفسكم ولا لغيركم، فتقولوا: ما نأكل وما نشرب وما نلبس وأين نذهب؟ كأنكم بما قلت من هذا لا توقنون، فكل هذه الشعوب التي ترون تبتغي ذلك ولا تبتغوا منه ما يبتغون، فإن ربكم الذي في السماء يعلم ما ينبغي لكم من قبل أن تسألوه إياه، ولكن ابتغوا طاعة الله ورضاه.
  فأما ما ذكرت من هذا كله فهو يعطيكم ويعطيه من لا يرضى عليه، فلا تشغلوا بغد وما بعده من شغله، فبحسب غد أن يقوم بشغل أهله، وكفى يومكم من غده بما في غد من كده.
  ألا ولا تعسفوا أحداً بظلم؛ فإنكم كما تدينون تدانون، والمكيال الذي تكيلون به تكتالون، فما بال أحدكم يرى القذى في عين أخيه ولا يرى السارية
(١) في (أ): الذي يرزقهن.
(٢) في (ب): أو بهجة.