السند إلى مؤلفات الإمام القاسم بن إبراهيم #
  عند وجودها، وشهد له بالربوبية ما شهد بالصنع عليها من شهودها.
  ثم قال سبحانه لتوقيفه وتعريفه مردداً، وعليهم بما لا تدفعه النفوس من الشهود مستشهداً: {قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ٨٨}[المؤمنون]. فلما كان كل شيء يُحَسُّ بحس، أو يُعْقَل إن لم يكن محسوسا بنفس، في قبضة محيطة به من قدرة وملكوت، بما لا يدفعه(١) عن نفسه من بلاء أو موت، كان مليك الملكوت للأشياء كلها معلوما باضطرار، ومن يجير ولا يجار عليه؛ إذ الملكوت كلها له غير ممتنعة منه بجار.
  ومما يقظ به سبحانه لمعرفته، ودل منه بأوضح دليل على ربوبيته، وما تفرد به من صنع البدائع، وتوحد بابتداعه من بدع الصنائع، قوله سبحانه: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ١١}[فاطر].
  فلما أن كان خلق أبينا الذي هو أول إنشائنا وهو آدم، الأب المقدم مما ذكر الله تبارك وتعالى أنه ابتدأه منه من التراب، كنا مخلوقين مما خلق منه وإن نحن جرينا بعده نطفا في الأصلاب.
  والدليل البت اليقين الشاهد العدل المبين على أن آدم # بُدئ من التراب وخلق مصير نسله تراباً إذا بلي وفُرِّق، وكل مركَّب انتقض من الأشياء فعاد إلى شيء عند تنقضه بالفرقة والبلى فمنه رُكِّب وخلق غير شك ولا امتراء، كالثلج الجليد والبَرَدِ الشديد الذي يعود كل واحد منهما إذا انتقض وفُرِّقَ إلى ما رُكِّب منه من المياه وخُلِق، وكمركب الأشجار والحبوب وغيرهما من ضروب الأغذية التي تعود عند بلائها إلى ما رُكِّبت منه من الأرضين والمياه والنيران والأهوية.
(١) في (أ): بما لا يدفع.