السند إلى مؤلفات الإمام القاسم بن إبراهيم #
  وآدم # في أنه من تراب - وإن كان كمالاً(١) وأباً - كأولاده، يجري عليه في أنه من تراب ما يجري على أجزائه وآحاده(٢)، وما يعاين من معاد أنساله التي هي أجزاؤه من كماله إلى الرفات الجامد والتراب الهامد يلحق به مثله؛ إذ هم جزؤه ونسله، وما لحق بالأجزاء من الموت والبلاء(٣) فلاحِقٌ لا محالة بالكمال، والكمال والأجزاء فجارية منه على مثال، إذ كانت أشباهاً متماثلة، وأمثالاً لا يجهل تماثلها متعادلة.
  وأما يقين خلقه إيانا سبحانه من نطفة، وما جعل منا أزواجاً مختلفة في الخلقة غير مؤتلفة، فمعاين فينا معلوم، لا يدفعه العيان ولا الحلوم؛ ألا ترى أن النطفة لو لم تكن لما كنت، ولو عَدِمت إذاً لعدمت، وما كان إذا عدم عدمت فمنه غير شك خلقت وقومت؛ ألا ترى أن كون المرعى والأشجار مما ينزل الله لها من المياه والأمطار، فإذا عدم الماء والمطر هلك المرعى والشجر، أولا ترى أن كل ثمرة فمن شجراتها، فإذا عدمت الشجرات عدمت ثمراتها.
  وما عجَّب الله به سبحانه من صنعه في تكثيره منه للقليل المفرد، ونشره تبارك وتعالى للكثير من واحد العدد فأعجب عجاب، عَجِبَ له من خلقه أولو الألباب، بينا نحن تراب ميت إذ أحيانا، ونطفة واحدة إذ كثرنا فأثرانا، فجعل سبحانه منا بنطفة تمنى ذكراً يعاين وأنثى، حكمة منه سبحانه لا عبثا، كما قال تبارك وتعالى: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى ٣٦ أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى ٣٧ ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى ٣٨ فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى ٣٩ أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى ٤٠}[القيامة].
(١) في نسخة: كاملاً.
(٢) في (أ): وأوحاده.
(٣) بلي الثوب يبلى من باب تعب، بِلى بالكسر والقصر، وبَلاء بالفتح والمد: خَلِقَ فهو بالٍ، وبلي الميت: أفنته الأرض. (مصباح).