[صفة الإمام]
  الْكَافِرُونَ ٤٤}[المائدة]، افترى جميع الحكمين سواء، حكم ما أخبرك وحكم ما أخبر غيرك، هما جميعاً من حكم الله وهما حكمان متضادان؟ إلا أن تقولوا: إنه حجة على بعض دون بعض، لناس مخصوصين، وليس حجة على الآخرين.
  فإن زعمتم أنه حجة على الكل فالواجب عليه أن يهديهم أجمعين، ويدلهم ويبصرهم ويعرفهم بنفسه.
  وكيف يكون حجة يحجب نفسه من الناس ولا يبين لهم؟! أرأيتم إذا وقفوا بين يدي الله بم يحتج عليهم؟ أبما دعاهم فعصوه؟ أم بما بين لهم فخالفوه؟ أو بما حجبهم(١) نفسه فجهلوه؟ فكيف تثبت له عليهم حجة ولم يُبَلِّغْهُم حجة ولم يعرفوا اسمه ولم يعرف بنفسه؟
  فإن زعمتم بأن له أن يكتم لأن الله قال في محكم كتابه: {رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ}[غافر: ٢٨]، وهو قال لهم: {رجل}، ولم يكن الرجل بحجة؛ لأن الحجج فيما مضى أنبياء وأوصياء الأنبياء، وهذا رجل مؤمن أثنى الله عليه، ولم يكن بنبي ولا حجة.
  فإن زعموا أن لصاحبنا أن يكتم كما كتم المؤمن.
  يقال لهم: أوليس زعمتم أن صاحبكم حجة، وهل للمؤمنين أن يبينوا ما بين الحجج، يسع المؤمن أن يكتم ولا يسع الحجة أن يكتم؟! مع أن مؤمن آل فرعون كتم الإيمان قبل أن يبين الله لخلقه، فلما بين الله لخلقه لم يسعه الكتمان بعد البيان، مع أنه كان في عبدة الأوثان، وفي دار من يدعي الربوبية من دون الله، ويجحد رب العالمين، وصاحبكم في دار الإقرار والمعرفة وتصديق النبي ÷ وإن جهلوا الأحكام والشرائع، فليس لأحد أن يكتم العلم من طالبه بعد بيان الأنبياء، وليس الحجة حجة إلا من احتج على خلق الله، ولم يلبس دين الله.
(١) في (أ، ب): جحدهم.