مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

السند إلى مؤلفات الإمام القاسم بن إبراهيم #

صفحة 58 - الجزء 1

  فصرفنا بعد خلق خلقا، تراباً ثم نطفة ثم تارة علقا، تصاريف لا يدَّعي على الله فيها مدع دعوى، فيعلن بدعواه فيها ولا يسر بها نجوى، تبريا إلى الله الخالق منها، وتضاؤلا في جميع الأشياء عنها.

  وكل هذه التصاريف فلا بد لها من مصرف، وما عدد من شتيت الأصناف فلا بد لها من مصنف، لا تدفع الألباب وجوده، ولا يكذب إلا كاذب شهوده.

  وما ذكر سبحانه من حمل كل أنثى ووضعها بعلمه فما لا ينكره أحد وهبه الله حكمة من حكمه، وما لا يأباه منقوص بعد التقرير إلا بمكابرة منه لعقله⁣(⁣١)، مع الإقرار منه لنا صاغراً راغماً بمثله، وإذا كان بمثله مقراً كان بإنكاره له مكابرا، بل يعطى فيأبى⁣(⁣٢) إلا مجانة وألعابا، إنما هو أصغر صغرا، وأيسر أضعافا قدراً من حمل الأنثى ووضعها، وتأليف أعضاء الولدان وجمعها، وما فيها من حسن التصوير، وداخل معها في لطيف التدبير، لا يقوم معتدلاً ولا يبقى متصلاً طرف عين بأيقن يقين إلا بعلم من عليم، وتدبير مُتْقَن من حكيم، لا تلم به سنة ولا نوم، ولا تنازعه الأشغال ولا الهموم⁣(⁣٣).

  وكذلك تعمير المعمر وما ينقص له من عمر فلا يكون أبداً إلا في كتاب، إذ كانت الأيام والليالي بحساب، ولا يكون نقص العمر وزيادته إلا لمن به قوامه ومادته ممن يدبر الأيام والليالي، ولن يوجد ذلك إلا عن الله الكبير المتعالي، ولا يكون كتاب ذلك الذي هو علمه - على من وسع الأشياء كلها تدبيراً إلا خفيفاً، لا يؤوده حفظه - عليه تبارك وتعالى كما قال: يسيرا.

  ثم أخبر سبحانه صدقاً ونبأ في كتابه حقاً بقدرته على أن يخلق من الأشتات المختلفة واحداً غير مختلف في الصفة؛ لأنه من قدر على خلق الأشتات من


(١) في (أ): إلا بعد المكابرة منه لعقله.

(٢) في (أ): فلا يأبى.

(٣) في نخ: الوهوم.