مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

تفسير سورة الفلق

صفحة 71 - الجزء 2

  بِمِثْلِهِ مَدَدًا ١٠٩}⁣[الكهف]، فكلام الله جلَّ ثناؤه في الحكمة والتبيين والهدى فما لا يدرك له أحدٌ غير الله منتهى ولا مدى، وكلام غير الله في الحكمة وإن كثر وطال، وتكلم منه قائلُه بما شاء من الحكمة فأقصر أو أطال - فقد يدرك غيره من الخلق غايته ومنتهاه، وكل وجه من وجوه كلامه فلا يفتح وجهاً سواه؛ لأن علمه ينفد، وكلمه فيحصى ويُعَدُّ، وكلمات الله كما قال سبحانه لا تنفد بإحصاء، ولا يؤتى على ما فيها من خفايا العلم باستقصاء، وقليلُ علمها فكافٍ - بمنِّ الله - كثير، وكلها فضياء ونور وهدى وتبصير.

  وبعد، فإنا وبالله نستعين نعلم بأن غيرنا ممن لعله سيقرأ كتابنا هذا وتفسيرنا - أن لولا ما رأينا في الناس من الغفلة والحيرة والالتباس، في معرفة ما جعل الله ø لكتابه من سعة من المخارج، وأبان به وفيه من جوادّ المناهج، التي قَرَّب لرحمته سبلَها، وخصَّ بعلم قصدها أهلها، لما تكلفنا إن شاء الله من ذلك ما تكلفنا، ولا عنينا فيه بوصف ما وصفنا، لما ينبغي أن يكون عليه اليوم مَن اهتدى، فوهبه الله عصمةً ورشداً، من الشغل بخاصة نفسه، والوحشة من ثقته وأُنسه، ولكنا أحببنا أن يعلم مَن جَهِل ما قلنا من سعة فنون الكتاب المكنون، لما جعل فيه من العلم لأولي الألباب، فيوقن أن للكتاب ظهوراً وبطوناً، وأن فيه بإذن الله لأولي الألباب علماً مكنوناً، لا يظفر أبداً به إلا من كان مريداً فيه لربه، والحمد لله رب العالمين لا شريك له.