مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

تفسير سورة البينة

صفحة 96 - الجزء 2

  بمعاد ولا مصير.

  وليس أولئك ولا من هو كذلك من أهل التوراة ولا من أهل الكتاب، ولا ممن يقر بإله ولا برب كالعرب، ومن كان مشبهاً للعرب ممن يقر بالله وإن أشرك مع الله، فإنما أولئك عند من يعقل كالبهائم السائمة، وإن لزمتهم الحجة بما جعل الله لهم من الجوارح السالمة، التي قطع الله بها عذرهم، وألزمهم بها كفرهم، وأولئك فليسوا ممن ذكر في سورة لم يكن، وإنما ذكر فيها مَن يقرُّ برَبٍّ وإن لم يؤمن مِن كفرة أهل الكتاب والمشركين، فقال سبحانه: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ}، والانفكاكُ والفكُّ هو: المجانبة لما هم عليه والترك، وتركهم فهو لإشراكهم، وانفكاكهم من عقد شركهم، وفريتهم فيه على الله وإفكهم.

  وتأويل {كَفَرُوا} فهو: لم يشكروا؛ لأن من لم يشكر الله تبارك اسمُه بترك عصيانه فكافر وإن كان مقراً ومعتقداً لمعرفة الله وإيقانه، كإبليس الذي ذكر الله سبحانه معرفته به، وذكر كفره لما ارتكب من الكبائر بربه، وكذلك كل من ارتكب كبائر تسخط مَن أحسن إليه فقد كفره، ومن أتى ما يرضاه وتولى أولياءه وعادى أعداءه فقد شكره.

  ولما جمع أهل الكتاب والمشركين من كبائر عصيان رب العالمين دُعُوا جميعاً كفرةً وإن كانت قلوبهم كلهم وألسنتهم بالله مقرة، فقال: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ}، تأويل ذلك: أنهم لم يكونوا مُقْصِرين ولا تاركين لما هم عليه وعاصين لله فيه {حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ ١}