تفسير سورة البينة
  ولا لُبسة، ولكنها بينة نيِّرة مُضيَّة، ظاهرة لمن تعقلها جلية، ألا تسمع كيف يقول سبحانه: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ}، فأمروا ليعبدوه جل ثناؤه وحده، فعبدت النصارى معه المسيح رسوله وعبده، وأُمروا ليخلصوا له الدين ولا يجعلوا له ولداً، فجعلوا له ولداً، وجعلوه كلهم ثالث ثلاثة عدداً، وفيهم ما يقول سبحانه: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ}[المائدة: ٧٣]، فهو الله الأحد الصمد الذي ليس له ولدٌ ولا والد.
  وقالت اليهود كما قال الله ﷻ عن أن يساويه شيءٌ أو يماثله: {عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ}[التوبة: ٣٠]، فلحقوا بالنصارى في الكفر بالله، وشبهوا الله ببعض حالات خلقه في الهيئة والقوى، وزعموا أنه جالس على عرش هو سرير وأنه لا يتوهم له قرار في جو ولا هواء(١)، وأن له مقعداً من العرش والكرسي ومستوى. وتأوَّل مَن شبَّهه من هذه الأمة في ذلك ما يقول الله سبحانه: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ٥}[طه].
  وأمروا أن يكونوا حنفاء فكانوا جورة حُيَّفاً(٢)، والحنيف: هو الطائع المستقيم الخاشع. وأُمروا أن يصلوا له فصلوا لغيره معه، فمنهم من صلى لأثرة صنم، ومنهم من صلى لعيسى بن مريم ~، ومنهم من صلى لمن شبهه بآدم
(١) قوله #: «وأنه لا يتوهم له قرار في جو ولا هواء»: هذا من قول اليهود، وهو مثل قول من يقول من أهل هذه الملة: بلا كيف. والإمام منكر لقولهم: إنه جالس على عرش بلا كيف. (من خط السيد العلامة المجتهد محمد بن عبدالله عوض المؤيدي حفظه الله).
(٢) حيف: جمع حائف، والحيف: الميل في الحكم والجور والظلم.