تفسير سورة القدر
  وتأويل أنزل في ذلك: جعل، فيمكن أن يكون جعل القرآن كله وأحدثه وأتمه وأكمله فيما ذكر تبارك وتعالى من ليلة القدر المذكور، والقدر: فهو وقت وَقَّته الله جل ثناؤه من أوقات الدهور. وقد يكون القدر هو الجلالة والكبر، كما يقال: إن لفلان أو لكذا وكذا قدراً، يراد بذلك أن له لجلالةً وكبراً. فإن يكن(١) وقتاً فهو وقت ذكره الله وكرَّمه بما قدَّر فيه من أموره المحكمة. ومن الأدلة على أن الله جعل القرآن في ليلة القدر كله، وأحدثه فيها فأتمه وأكمله، وأنه لم يرد بتنزيله ووحيه إنزاله له جملة على رسوله ونبيه - أن الله سبحانه إنما أنزله على رسوله ÷ وأوحى تبارك وتعالى به إليه مفرقاً لا جملة واحدة، وعلمه إياه جبريل ~ سورة سورة، وآيات آيات معدودة؛ ليقرأه كما قال سبحانه على مكثٍ وترتيل، ولترتيله وَصَفَه تبارك وتعالى في الوحي له بالتنزيل؛ لأن المفرق المنزل هو المرتل المفصل، وفي ذلك ما يقول الله تبارك وتعالى فيه: {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا ١٠٦}[الإسراء]، ويقول سبحانه لرسوله ÷ في قراءته: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا ٤}[المزمل]. والتفصيل: هو التقطيع والتنزيل.
  و في إجماله وجمع إنزاله ما يقول المشركون لرسوله ÷: {لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً}، فقال الله سبحانه: {كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا ٣٢}[الفرقان]، يقول سبحانه: نزلناه عليك قليلاً قليلاً، ثم قال سبحانه لرسوله ÷: {وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ
(١) في المطبوع والمصابيح: كان.