مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

تفسير سورة عبس

صفحة 128 - الجزء 2

  شَأْنٌ يُغْنِيهِ ٣٧} يعني: لكلٍّ على قدر ما قدَّم وأسلف فيما غبر من الدهر، ألا ترى ما فسره حين قال: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ} معناه: وجوهٌ ذلك اليوم، وهو يوم القيامة {مُسْفِرَةٌ ٣٨} معناه: ناضرة مشرقة حسنة، وهي وجوه المؤمنين، {ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ ٣٩}: يبين لك في وجه المسفر الضحك ولعله لا يضحك، ويبين لك في وجه الكافر البكاء ولعله لا يبكي، وبلى كم من باكٍ ندامةً! وكم من ضاحكٍ استبشاراً بما بُشِّر به مِن نعم الله التامة! ومعنى {مُسْتَبْشِرَةٌ ٣٩}: متباشرة بما قد رأت من علامات الخير.

  {وَوُجُوهٌ} معناه: وجوه الكفرة، {يَوْمَئِذٍ} تقدم تفسيره، {عَلَيْهَا غَبَرَةٌ ٤٠} يعني: القتام يلحق وجوه الكفرة والإظلام، {تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ ٤١}: تلحقها وتعلوها قترة، والقترة فهي: الغبرة المقترة المهلكة الكريهة، وهذا جرم ما يكون من الكسوف على الوجوه من الظلمة⁣(⁣١).

  ثم بيَّن فقال: {أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ ٤٢} الكفرة: فهم الكافرون لأنعم الله، والجاحدون لربوبيته أيضاً؛ لأن الكفر كفران: كفر نعمة وكفر جحدان، وكل أولئك صائر إلى سخط في عذاب أليم، {الْفَجَرَةُ} معناه: الفجرة في الدين، وأهل الاطراح لحقوق رب العالمين، والافتتان فيما لا يحل لهم من محارم خالق الخلق أجمعين، وقد يكون الفجور الارتكاب لأكبر الشرور من الفسق وأخبث الأخباث، من الإتيان للذكران والإناث، مما لم يأمر الله به، ولم يسوغه في قرآنه ولم يثبته.


(١) في المصابيح: الوجوه والظلمة.