مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

كتاب المكنون

صفحة 140 - الجزء 2

  أعيب - كان الواجب عليه أن يكون على نفسه أعتب؛ لأن من استنكر أمراً من غيره، يرضى في نفسه بمثله فقد دل على جهله، ومن سها عما يعنيه كان ما لا يعنيه أجدر أن لا يواتيه.

  فافهموا يا بني ما عبرته لكم، وأوضحته من شأن زمانكم.

  وإن من المنكرات فيمن يسم نفسه بميسم الخيرات أن يضرب بطرفه صاعداً، ويكون على غيره واجداً، ولزناده زانداً، كأنه قد تهذب من الأدناس، وأَمِن مِن معيبة الناس، واستقام على سوق الزيادة للمستزيد، أَوْ ما عرف المعدوم من الموجود، والحاضر من المفقود، والخير من الشر، والنفع من الضر، والحَرَّ من القُرّ، حيث سلك في أحشائه، واتصل بحواسه وأجزائه، ثم أدته الأركان إلى الأركان، والروح إلى الجثمان، ثم صرفته تلك العوارض الخاطرة والنوازل السائرة، فاستفزته إلى السخط مرة وإلى الرضا أخرى، فأسرف في الخلتين، ومال عن النجدين، فأين مستقر القديم منه، لم يدرأ به عنه النوازل المُمِضَّة، والآفات العارضة، ويستدعِ لنفسه بدرئه لذلك عاجل السلوة، ويَنْفِ عنها بوادر الشقوة، ويعاود ما يديم له السرور ويدفع عنه المحذور، ولو ألهم نفسه أحسن ما يُلْهَم لزاح عنه خواطر الهمم، ولم يعدم محمودَ العاقبة وعلوَّ الذِّكر في الفئام، والصوتَ الرفيع في محافل الأقوام، ولأقصر عن شقشقته، وشهد بالفضل لمزايل طريقته، ولكنه لم يحم أنفه، وقل عن مزايلة ما تهواه نفسه أنَفُه، فامتشجت الأدواء في آرابه، واستلبته رصين آدابه، فابتغى السلامة من غير جهتها، والراحة بعد فوتها.

  كلا، لن يكون فرع من غير أصل، ولا جود إلا ببذل، ولا زكاء مخلوق إلا