كتاب المكنون
  بفضل، يُجَشِّم فيه نفسه المجهود، ويستدعى به لها الثناء المحمود، ويجنبها الموبقات والشهوات المُردِيات، وليس من نفس إلا وهي تراود صاحبها على الهوى، وتدعوه إلى موارد الردى، فمن أعطاها زمامه أركبته ردعه، ومن منعها ما تهوى فاز بالرغبى. ففي هذا لكم يا بني بيانٌ ومعتبرٌ، ومن لم يستظهر بالحزم على مذاق الأخلاق ودنآءتها، ويزجر النفس عن شهواتها، قصر دون رميته، ولم يدرك الثناء الذي سما إليه بأمنيته.
  ومن أحب أن تخضع له غُلبُ الرقاب، ويقل في طاعته الارتياب، ويُنتَهى عند أمره ونهيه، ويقتدى برأيه - فليأصر نفسه من ذلك على ما يريده من غيره، فإن انقادت لأمره وازدجرت عند زجره فليضمم كفه من غيره على إنفاذ أمره؛ لأن تهذيب المرء لطريقته يدعو إلى طاعته، والمقصر عن طلب منفعته تزل موعظته من القلوب زلول القطر من الصفوان الصليب، فأَوقِعوا يا بني الموعظة بقلوبكم.
  فيا أيها المبتغي الدرك في العاجل والفوز في الآجل اجعل لك من نفسك موعداً، تحظى به اليوم وتفوز به غداً، بصدقٍ لا يشاب بالتفنيد، ورجاء الموعود وخوف الوعيد، واسمُ إلى ما أحببت من ذلك بالعقل العتيد والرأي السديد(١)، وأنا سفيرك فيه بالدرك لما تريد. وإنما أعجز الطلاب ما إليه يسمون تعسُّفُهم السبيل التي فيها عن القصد يجورون، فلم يدركوا ما طلبوا، ولم ينالوا ما أحبوا، فعن مواردهم يا بني فازدجروا، وآثار آبائكم فاتبعوا.
(١) في (أ): بالعقل السديد والرأي الرشيد.