كتاب المكنون
  إياك أن تستشهد على نفسك غير معرفتك بها، ولا تقبل من غيرك تزكيتها بما يكذبه فعلك، ويحيط بضد تزكية المزكي علمك. فإذا توسطت علانيتك وصحت سريرتك فتيقن بصدقِ مَن أطراك بما فيك، ولا يبهجنَّك الثناء من المضطر إليك، ولا يُسفِّه بحلمك مُملِقٌ مَذِق، ولا من يستنيل(١) معروفك بالتَّملُّق.
  يا بني: فإن أقل الناس عقلاً وأبينهم جهلاً مَن صدَّق من سواه بما تكذبه عيناه، والعقل آمَنُ أمين، وأفضل قرين، فاستأْمِنْه على أحوالك وجميع خلالك، واعرف ما عرَّفك. وإذا حمدْتَ من أحد مذهباً فكن لمثله متسبباً، ولكل ما تستنكره من غيرك متجنباً، ولتكثر من مستتر عيوبك وحشتك، وليقلَّ بخفياتها أُنسك، فإن اكتتامها كالمحرض على أمثالها، وإذا امتلأ الإناء انكفأ، وإذا تُنوسخ السِّرُ فشا.
  فكن يا بني لجميع خلالك متفقداً، وداوم على جميل ما به تُعرف، ولا ترضَ من نفسك بما تستقبح من غيرك إذا انكشف، وأردف جميل غدك بجميل يومك، ولا تغتر بستر الله عليك فتتعرض لما يُندِمك عُجْباً بما يُومَى به إليك، وتظن أن سالف الحسنات يمحو مؤتنف السيئات.
  ومن استصغر سيئته فيوشك أن تحبط حسنته، ولكلِّ نعمةٍ حاسدٌ يدير بها الدوائر، وبحسبك أن يبصرك بالجميل أهل البصائر، فيشغب حاسدك فيما يرجو أن يهدم به ركنك، ويمعن في الطعن عليك في كل ندي مشهود؛ ليقبض المتفوِّه
(١) في أربع مخطوطات: يستبيه.