كتاب المكنون
  فيك بكل أمر محمود، فينقبض انقباض المحسور، ولا يجد السبيل إلى التغيير.
  وأحذرك يا بني البغي، والتهمة والظن، فإنهما ملصَقان بكل إنسان، فلا تجعل لمتهمك إلى تهمتك سبيلاً، ولا تكن في غيرك بما تكره أن يُقال فيك قؤولاً، وانظر ما كنت له مما يوجد به السبيل إلى الطعن عليك فعولاً فكن له قالياً وعنه رحولاً، مع نظرك لنفسك. وإن أردت أن تظفر من الدنيا بزينتها وزخرفها وعزها وشرفها، وبالبهاء الذي يُستنار به في كل مكان، والثناء الذي تسير به الركبان إلى جميع البلدان - فعليك يا بني بالطاعة التي لا تدفع بالعصيان، والمحبة المنتشرة بكل لسان، فاجعل المروءة لك شعاراً، والصيانة لنفسك دثاراً، فإن مَن صابرهما وألزم نفسه الصبر عليهما تَغَرنَقَ في الغرانيق العُلى، وتمكَّن في قُلَل الشرف القصا وإن لم يكن ذا غرض من الدنيا.
  يا بني، والمروءة غير مبيعة بثمن ربيز(١)، ولا حرز حريز، ولا مطلب عزيز، ولو لم يدركها الرائمون إلا بجزيل ما يطلبها به الطالبون لكان ما تعيد وما تبدي أجزلَ منه وأوفرَ في العواقب والبَدِي، ولو كانت لا توجد إلا في أبعد الأمصار، أو في لجج البحار، بالقناطير المقنطرة من الأموال الكبار، لكان الواجبُ على ذوي العلم بخطرها والمعرفة بقدرها التعلُّقَ بأغصانها، والبذلَ للنفيس من أثمانها، لكنما اشتملت عليها دأياتك، وحُنِيَت عليها مُستكنَّاتك حتى تبثها عنك إذاعتها، وتشيع لك فضيلتها، بأن تمسك عن الأمر المردي، وتعرض عن القبيح الذي لا يغني، وتملك نفسك فيما ملكت من كبار الأمور وصغارها.
  تم ربع كتاب المكنون بمَنِّ الله وعونه وحسن توفيقه
(١) الربيز: الكبير في فئة. (قاموس).