كتاب المكنون
  يا بني: ولا تَجُر عن قصد السداد فيما أنت فاعله وتاركه إلى يوم التناد، وكل ما أوجَبَتْه عليك الحقوق تأدَّيتَ منه إلى كل عدو وصديق، فافهم يا بني ما أصَّلتُ لك من فروع الأدب والحكمة.
  ومن زعم أن المروءة لا تصلح إلا بالمال فقد أضلَّ في المقال؛ لأن المروءة قد تنقاد لذوي الإقلال، وتصَّاعب على ذوي الأموال.
  وللمال موقع من بعض القلوب يكاد يخرج صاحبه إلى الأمر المعيب، حتى تذهب مروءته، وتغلب عليه حلاوته، فتنَهَدَّ ذروته، وينطمس كرمه وحريته.
  وللمروءة في المال أنصباء تتشعب فيه شعباً، وليست المروءة بمعدومة في أحد إذا جَدَّ في طلبها وأتاها من بابها، وليست لها أثمان تبتاع بها، إنما هو جميلٌ تقولُه، أو خيرٌ تفعله، أو معروف تبذله، أو إقصار عن الإكثار إذا لم يكن للكلام موقع، فهذه خلال يكون لك بها في المروءة قدرٌ وموضع تستوجبه بها إذا لم يمكنك الاستكثار من غيرها، وكلما ازددت أدركت ما طلبت، وقد أوضحت لك ما تَطْلبُ به المروءةَ بأحسن الإيضاح، وكنتُ لك أنصح النُّصاح، فإن أخذتها باللِّين يا بني سَلِسَ لك مقودها، وإن غلَّظت شسع عنك عتيدها، وصار نحساً عليك سعودها، فأَسعِد الأدب يا بني بالحكمة.
  وإياك والحسد، فإن للحسد نفرةً على صاحبه مضرة، فأبرده عند اضطرام تسعُّره بكثرة التبكيت، وتعريفه صغر صاحبه الممقوت.
  يا بني، فإن الحاسد لا يدرك في حسده نقيراً، ولو أزيح عن المحسود ما حسده عليه لم يظفر منه قطميراً، وليس من أحد من المخلوقين إلا وعليه من الله