كتاب المكنون
  واعلم يا بني أنك المشار إليه عند عجلتك بما تسمعه أذنك فيمن قلَّ تثبُّتُه وذُمَّ على ما تكسبه عجلته، فأَكثِر من العجلة التقيَّة، وعلى نفسك من قبح القالة البقيَّة، وإياك أن يوردك الغضب موارد العطب، ويُشعلك إشعال النار للحطب، فادفعه بالاحتمال قبل أن يضطرم فيهريق الدم ويَصِم العظم، ويشلَّ اللحم، فأخمِدْه قبل أن يتلظى، فإنه إن استعر بهظك بهظاً، ثم دفن ما كنت تُذكر به من المحاسن، وأعلن ما كنت تكتمه من المقارن.
  واعلم يا بني أن آفة السلطان الجورُ والتجبر على الإنسان، إياك إن كنت سلطاناً أن تستظهر ذنوب المذنبين، أو تعاقبهم عقوبة المغضَبين، وإن كنت سوقة فماذا يضرك مما يلمزك به الناس من المنطِق فيما ترجو به الرفعة والعلو بعد الضعة، وإياك أن تغضب على مَن دونك أو تستصغر مَن فوقك، وجُدْ بالفضل على من ناواك، وبالصفح عمن عاداك.
  واعلم أنه لا بد للمكارم أن تعلو، وللمحاسن أن تفشو مِن ناشرٍ لها يُلبسك هيبتها وجلالها، ونبلها وجمالها، حتى يَنسُم عليك روحُها، ويشيع لك حمدها، ويتجلى بها عنك الغماليل(١)، ويبرد بها من قلبك الغليل.
  يا بني، عليك بالحلم، فإنه ليس الرجل حليماً حتى يملك نفسه عند الغضب، ولا جواداً حتى يفيد إذا ازلأمَّ(٢) الأزب(٣). وإنما يوصف بالنجدة من باشر أهل البأس والشدة، وللمحاسن والمحامد بَوَادٍ معتمدة تطَلَّع إليها الأفئدة، ثم يُبذل
(١) الغملول: كل مجتمع أظلم وتراكم من شجر أو غمام أو ظلمة. (قاموس).
(٢) ازلأم الضحى: انبسطت. (قاموس).
(٣) جدب ومحل.