كتاب المكنون
  فيها الغالي من الأثمان، وتُنضى بها العِيْس إلى جميع البلدان، فمَن سرَّه أن يشهر بالجميل والإحسان فليشهد التي منها يتناقلان، ثم ليظهر منهما ما يسير به في الآفاق خبَرُهُ، ويَعظُم به في الناس خطَرُه، ثم ليقوِّم من نفسه بحسن التعاهد أوَدَها، وليأخذ منها لها ما يزين به غدها، فإن الأخلاق إذا سمحت، والعلانية والسريرة إذا صحَّت - كانت غنائم يرتحل إليها المرتحلون، وأحاديث حسنة ينقلها الناقلون، وتبجيلاً لصاحبها في العالمين، وغبطةً يغتبط بها يوم الدين.
  والواجب في الأخلاق أكثر من الواجب في الأموال، وأفضل في جميع الأحوال، وإنما يُعَظَّم ذو المال ما كان موئلاً، فإذا تُخِرِّم ماله عاد دحيراً قليلاً، والأخلاق لا يبلى جديدها، ولا يطيش سديدها، وفضل صاحبها باقٍ في حياته وبعد وفاته، والمال ثوبٌ تخلق جِدّتُه، وتسمل سداه ولُحمته.
  وأحق الأشياء بالصون العرضُ الصحيح والحسب الصريح، ومن آتاه الله قلباً ذكيّاً، وزناداً وريّاً، وخلقاً مرضياً، وسخاء مذكوراً، وعقلاً زكياً، وفهماً مرضياً، وعلماً بتقلب الأحوال، وتصرف الأيام والليالي، ولساناً يؤدي إليه معرفة خلف الأزمان، ويمتهنه فيما يعود عليه نفعه كل الامتهان، ثم زمَّ نفسه عن الكُبرة، واعتاض من التجبر حسن العشرة، وقلَّ افتخاره عند مناظرته، ولم يستدع نظيره إلى مباحثته، ولم يجار المجاري له من طبقاته في طريق مساواته، ولم يخرج من القول إلى ما لا يعلم، ولا من الفعل إلى ما يُستعظم - فقد شرى لنفسه محمدة الحاضر والباد، واجتهد في مصلحته أشد الاجتهاد، واستحق التعظيم مِن جميع مَن ضمته أقطار البلاد، واجتمعت له الطرائق السمحة، وزاحت عنه