مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

كتاب المكنون

صفحة 148 - الجزء 2

  المذاهب المستقبحة، وجرى عليه اسم الخيرة، ونظرته بالنواظر المجلة كلُّ عين مبصرة، وجاز حد الأكفاء، واعترف له بالفضل النظراء.

  ولا بد أن في كل منفوس آلةً تطلع إليها النفوس، ويفتقر إليها حاجةً المفتقرون، ويتشوف إليها المتشوفون، فمن قصَّر عن علمها عظم في نفسه صاحبها، وجل في عينه بحسب ما يدلُّه عليه عقله، وحاول أن يكون له على أمره ظهيراً، وارتفعت عنده درجته من أن يكون له نظيراً، ومن اتسع بَدَدُه لضده ونده كان على قدر ذلك عِظَمُ شأنه وارتفاعُ مكانه.

  وكم من جامع لمالٍ يجود به لينال هذا المنال، ويستدعي من الجميع محبتهم، وينفي به حسايفهم، فلا يدرك من ذلك ما يريد، ولا يؤديه إلى ما يأمل من العوام ماله الممدود.

  وذو المال - يا بني - مذموم ومحمود، وذو العلم موموقٌ مودود، وفي العظماء معدود، وعند التباس الخطوب معمود مشهود، وبعد الوفاة مفقود. ومن أُتِيَ إليه ما يُستنكر في الملأ فتغمد ذلك بصبر وعزاء فقد نال من الشرف منالاً محموداً في الآخرة والأولى.

  ومن اعتذر إليه مَن أساء في المقال والفعال عليه فأسرع في القبول، والعطف عليه بالجميل فقد أبدى جهل متناوله بصفحه، وخسرانه بزيادته، وركاكته بركانته⁣(⁣١)، وطيشه بحلمه، وسخافته بتكرُّمه، وجوره بعدله، واستطارته بعقله، وعجلته بمهلته، وباء المعتذر إليه بسوء الصنيع لديه، وأفاده خير الفوائد،


(١) الركانة: الوقار.