مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

سياسة النفس

صفحة 178 - الجزء 2

  فمن خالف نفسه في خطاياها، ومال مع الحق عليها لم يضرره لها هوى ولا أمر، ولم يدخل عليه منها خطأ ولا ضرر، ومن قبل عن نفسه ما تأمره به من سوء كانت نفسه له أعدى من كل عدو.

  وقد بلغني أن بعض الصالحين كان يقول: محاربة المرء نفسه بمخالفته يُثْبِتُ فيها طلب ثواب الله وطاعته.

  واعلم أنه ليس يسلك سبيل مرضات الله إلا من أيده الله بروح الهدى، وأن ليس يوصل إلى سبيل مرضاته جل ثناؤه بالمنى، دون أن يحمل النفس عليها، ويصبر لأمر الله وحكمه فيها، كما قال الله سبحانه: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا ١٢٣}⁣[النساء]، وقال سبحانه: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ٢١٤}⁣[البقرة]، ويقول سبحانه: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ١٤٢}⁣[آل عمران]، وفي مثل ذلك من ابتلاء القائلين ما يقول رب العالمين: {الم ١ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ٢ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ٣}⁣[العنكبوت].

  فتأهبوا رحمكم للبلوى، وانتهوا إلى ما أمرتم به من التقوى، ونقوا قلوبكم من دنس الدنيا وإيثارها على الله كيما تنقى، وطيبوها بالبر والتقوى، وكونوا مع