مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

سياسة النفس

صفحة 179 - الجزء 2

  من بر واتقى، فمتى ما تكونوا مع أولئك تنجوا بإذن الله من المهالك، ويكن الله جل ثناؤه معكم، كما قال لقوم يسمعون: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ١٢٨}⁣[النحل].

  واعلموا - وليكم الله - أن من أبواب التقوى ومفاتحها، وأقوى ما تقوى به من رشد بإذن الله على قبول نصائحها - حسن الفكر في الدنيا وفنائها، وتقلب سرَّائها وضرائها، وفي حال جميع من فيها من ملوك الأمم خاصة ومن دونهم من الخلق جميعاً عامة، فإنكم رحمكم الله إن تفكرتم فتروا بعين الفكر وتبصروا تعلموا أنهم جميعاً منها وإن اختلفت أحوالهم في السراء والضراء في مضامير بأقدار أحوالهم فيها من السعادة والشقاء.

  وقد ينبغي لمن سلك سبيل مرضات الله وآثرها، وعظمها بما عظمها الله به من رضوانه فوقرها، أن يتحفظ من نفسه فيها، ويجمع كل أشغاله ولا قوة إلا بالله إليها، فإنه لو تفرغ لخدمة بعض ملوك الدنيا لحق عليه الاجتهاد في بلوغ الغاية القصوى، فكيف بمالك الملوك إذا برز لعبادته، ونابذ في الله عدوه من الجن والإنس بمحاربته، فليتحترز - من سلك سبيل ولاية الله ومرضاته، ومن يريد القيام بما أوجب الله عليه من فرض حقه وطاعته - من السقط والخلل، وليستيقظ من الغفلة والزلل، وليتيقظ وليعرف قدر ما يعرض لأهل ذلك من البلوى والفتنة والبلوى، وما ينصب له وفيه⁣(⁣١) من المباينة، وعلم بلواها وفتنها، فيحور في مواطن العزم والشدة، ولا يصبر عند نزول البلوى المؤكدة، فإن ذلك


(١) في (أ): لهم فيه.