سياسة النفس
  إذا كان منه كذلك فليس له بدخول، ولا لمن صار إليه إلى الله به وصول، وإنما وصفت لكم هذا فيها لكيلا يقدم مقدم عليها إلا بعد علمه بهذا منها، وفهمه لهذا من الخبر عنها، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
  واعلموا أن القلوب كالآنية المصدوعة فيما تنازع إليه من غرائزها المطبوعة، فإن لم ترهم صدوعها لم يصح مطبوعها على بنية اعتداله فيما فطرها الله عليه من كماله، فزموها بالعلم بكتاب الله وتنزيله، والوقوف على محكم تأويله، ففي ذلك لها تقويم وتعديل، وهداية ونور، ودليل على منهاج خالص الطريق المساير لها في حب الله وطاعته، وما أوجب الله على العباد من أثرته وعبادته، وبكتاب الله تنجلي عن القلوب ظلم الحيرة، وبلطف النظر فيه تدرك حقائق العلم والبصيرة، وبسبل الله فيه المطرقة تكون هدايات اليقين والثقة في نيل الغايات القصوى، وبلوغ الدرجات العلى.
  وقد زعم بعض أهل الحيرة والنقص، ومن لا يعرف عين النجاة والتخلص، أن الإلطاف في النظر يدعو صاحبه إلى الخيلاء والبطر، وإنما يكون ذلك كذلك عند من يريده للترؤس، لا لما فيه وما جعله الله عليه من حياة الأنفس، فانفوا مثل هذا عن ضمائركم، وسدوا ثلمة عيبه في سرائركم.
  واعلموا أن البحر لا يجاز يقيناً بتاً إلا بمعبر، وأنه قد يحتاج الشجاع المحارب السلاح في الحرب فكيف بالعي المغتر، فلا يتعاط أحد سبيل التقوى وما قرن الله بها من التمحيص والبلوى إلا وقد تحصن بالعلم والبصر الذي ميز الله به بين أهل الخير والشر، فلا تدعوا - رحمكم الله - حسن النظر في الأمور، والاستضاءة