سياسة النفس
  في ظلمها بما جعل الله في العلم من النور.
  واعلموا أن من أبواب ذلك ومفاتيحه وأضوأ ضياء نوره ومصابيحه إخلاص العمل لله، وصدق التوكل على الله، وسبب الطريق إليها، وعون من أرادها فيها - حسن الفكر في الدنيا وفنائها، وتقلب سرائها وضرائها، وفي حال جميع من فيها من ملوك الأمم خاصة، ومن دونهم من الخلق جميعاً عامة، فإنكم إن تفكرتم فتروا بعين الفكرة وتبصروا أنهم جميعاً منها وإن اختلفت حالهم فيها من السعادة والشقاء قد غشيهم من همومها كأمثال الجبال، ورمت بهم من غمومها في مثل لجج البحار، فالملك في شغل من ملكه، والمملوك في سطوة مالكه، والمكثر من إكثاره، والمقل من إقلاله.
  ولن يحاط بوصف أحزانها، وأوجاع عموم سكانها، ولحق بذلك منزل سريع زواله، قليل ما تمتع بالراحة فيه نزاله، بأساؤه أبداً فيه متداركة، ونجاة أهله فيه مهلكة، وغمومهم فيه متراكبة، وهمومهم به مكتسبة، فلا الغني يخلو من غم الجمع وكدة، ولا الفقير ينجو من الكد فيه بجهده، يسعى الغني فيه خوفاً من العدم، ويكد الفقير طلباً للمغنم، فجدة الغني فيه فقر، ومغنم الفقير فيه خسر، يخاطرون لذلك في أهوال البحور، ويركبون لطلبه كل باب من أبواب الفجور، فأقرب ما يكونون من السرور به أقرب ما يكونون من الغم بسلبه.
  فكم في الدنيا من غريق في لجج البحار، وكم فيها ولها من مبتلى بقتل أو أسار، وكم لطالبها وإفراطه في حبها من ميت غريب ناء عن الولد والأوطان، بين غتم لا يعرفونه، وطماطم من السودان ينكرونه، لم يبكه هنالك ولده ولا